وهكذا من يُقتدى به من النساء، فينبغي لها ترك لباس مثل هذا في الإحرام، وسأل سائل فقال: إذا كان الورس والزعفران مما قد كان الرجل قبل إحرامه ممنوعاً فيه، فما معنى النهي عنهما في حال الإحرام؟ وإنما يمنع الناس مما كان مباحاً لهم كما منع المحرم من لبس القمص، ومن التطيب، ومن سائر ما منع منه في الإحرام مما كان مباحاً له قبله؟ فكان جوابنا له في ذلك أن قلنا له: المنع قد يكون في الأشياء المباحة كما ذكرت، ويكون في الأشياء المكروهة قبل النهي ليراد بذلك نهي وليتوكد أمرها، وليكون على منتهكها في الحال التي نهي عنها فيه مثل ما يجب عليه في انتهاك مثلها مما قد نهي عنه من الأشياء التي كانت مباحة له قبل النهي من ذلك: أنا رأينا السنة القائمة عن رسول الله ﷺ قد جاءت بتحريم لبس الحرير على الرجال، وجاءت بنهي المحرمين عن لبس القميص، فدخل في ذلك ما كان منها حريراً منهياً عن لبسه قبل الإحرام، وما كان منها مما سوى الحرير مما كان مباحاً لبسه قبل الإحرام، ألا ترى أنه لو لبس وهو محرم قميص حرير كان عليه مثل الذي كان عليه من الفدية لو كان ذلك القميص غير حرير، فلم تخرج القمص الحرير من القمص التي قد نهي عن لبسها في الإحرام لتقدم حرمة لبسها للإحرام، لأنه لو كان ذلك كذلك، وكان المراد بالنهي غيرها، كان من لبسها في حال إحرامه لا يسألها على التحريم الأول، والتحريم الأول لا فدية على منتهكه، وإنما الذي تجب فيه الفدية هو ما نهي عن لبسه في الإحرام، فكذلك الورس والزعفران اللذان كانا ممنوعاً منهما في غير الإحرام، وكذا المنع منهما في الإحرام لتكون حرمتهما قد صارت للإحرام مع الحرمة المتقدمة فيهما».
وقال أبو الوليد الباجي في المنتقى (٢/ ١٩٧): «قول عمر بن الخطاب لطلحة في الثوب المصبوغ: ما هذا؟ يقتضي إنكاره عليه ثوباً مصبوغاً في حال إحرامه إلا أن ذلك يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه علم أنه مصبوغ بمدر فكرهه له وأنكره عليه؛ لما ذكره من أنه إمام يقتدي به الناس في لبس المصبوغ ويحكون عنه مثل هذا، ولا يفرقون بينه وبين الممنوع، وهذا أصل في أن الإمام المقتدى به يلزمه أن يكف عن بعض المباح المشابه للمحظور ولا يفرق بينهما إلا أهل العلم، لئلا يقتدي به من لا يعرفه، وأن يلزم غيره الكف عنه، ألا ترى أن عمر بن الخطاب ﵁ قد قال بهذا ولم يراجعه طلحة بن عبيد الله ولا أحد ممن سمعه.
ويحتمل أن يكون رأى ثوباً مصبوغاً ولم يعرف صباغه من مدر هو أو غيره، فأنكر أن يكون مثل طلحة بن عبيد الله يأتي المحظور، فلما تبين له أنه صباغ مدر أنكر عليه التشبيه بالمحظور».
قلت: ثبت أن أنكر عمر على عبد الله بن جعفر لبس المصبوغ، ورد عليه علي بن أبي طالب، فسكت عمر، وفي رواية قال له: أصبت.