محفوظ، لاسيما وقد قال الدارقطني لما سئل عن يوسف بن عطية:«هما اثنان متروكان» [التهذيب (٤/ ٤٥٨)(١٤/ ٩٢٤ - ط دار البر)].
والثاني: كان ينبغي عليه أن يبين خطأ فرقد في رفع هذا الحديث، لاسيما وقد تتابع النقاد قبله على تخطئته؛ فقد رواه منصور بن المعتمر الثقة الثبت المتقن، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر موقوفاً عليه، فكيف يذكر رواية فرقد، ويُغفل ذكر رواية منصور، وهي مشهورة عنه، حيث أخرجها: البخاري في صحيحه، وابن خزيمة في صحيحه، وابن أبي شيبة في مصنفه، كما انتقد رواية فرقد: أحمد، والترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان.
أضف إلى ذلك: تفرد حماد بن سلمة به عن فرقد، وقول الدارقطني:«وغيره»، يسبق إلى الذهن كونه غير واحد، ثم إنه لم يورد أياً منهما في الأفراد، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
• ولبيان تقصير الدارقطني في هذا الموضع، بل وفي كثير من المواضع في العلل التي يسكت فيها عن بيان عدم ثبوت بعض الطرق إلى الثقات المشاهير، وقد نبهت مراراً على ذلك في فضل الرحيم الودود؛ أنه لا يعتمد في إثبات الروايات وألفاظها على تعليقات الدارقطني في علله؛ إذ لا يُعتمد على مجرد ذكر الدارقطني لأحاديث هؤلاء المشاهير في إثبات الاختلاف؛ حتى تطمئن النفس إلى ثبوت هذه الطرق إلى أصحابها بأحد القرائن الدالة على ذلك، لأني قد وقفت كثيراً على ذكر الدارقطني لأحاديث بعض المشاهير في علله على خلاف الثابت عنهم في المصنفات المشهورة، أو يسندها هو بعد ذكر الاختلاف؛ فيتبين أن الأسانيد إليهم لا تصح، أو يذكرها هو في الأفراد وينص على تفرد من لا يحتمل تفرده به عنهم، ونحو ذلك [انظر على سبيل المثال لا الحصر: فضل الرحيم الودود (٥١٨ و ٦٢١ و ٦٢٣ و ٦٥٣ و ٩٧٥ و ١٠٧٥ و ١١٩٨ و ١٢٦٥ و ١٦٦٩ و ١٧٢٢ و ١٧٢٣ و ١٧٤٥)، وغيرها كثير] [وانظر أيضاً: فضل الرحيم الودود (٥٠/١٨/ ١٤٦١)].
لذلك فإنني أورد هنا مثالاً واحداً على قدرة الدارقطني على بيان ذلك:
فقد سئل الدارقطني في العلل (٨/ ١٢٤/ ١٤٥٠)، عن حديث محمد بن سيرين، عن أبي هريرة عن النبي ﷺ:«من مات له ثلاثة لم يبلغوا الحنث، أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم»؟
فقال: «هو حديث يرويه: عوف الأعرابي، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، ووهم فيه. وتابعه على ذلك: أشعث بن عبد الملك الحمراني، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة؛ من رواية صلة بن سليمان عنه.
وأشعث: من الثقات الحفاظ، ولكن صلة: ضعيف الحديث.
وكذلك روي عن سلمة بن علقمة، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ. وسلمة من الثقات الحفاظ لم يرو عنه غير محمد بن أبي الشمال، ولم يكن بالقوي.