مطلقاً بغير قيد، وأما ابن عمر: فثبت عنه موقوفاً عليه استعمال الزعفران، والله أعلم.
وقال ابن عبد البر في الاستذكار (٥/ ٥٢٧) في شرح حديث أنس بن مالك؛ أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى رسول الله ﷺ وبه أثر صفرة، قال:«رواه حماد بن سلمة، عن ثابت البناني وحميد، عن أنس، فقال فيه وبه ردع من، زعفران، تبين تلك الصفرة ما كانت، فيجوز على هذا: للرجل أن يصفر لحيته وثيابه بالزعفران.
وقد أجاز ذلك مالك وأصحابه: لباس الثياب المصبوغة بالزعفران للرجال.
قال ابن شعبان: هذا جائز عند أصحابنا في الثياب دون الجسد.
وكره الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما: أن يصبغ الرجل ثيابه أو لحيته بالزعفران؛ لحديث عبد العزيز بن صهيب وغيره عن أنس؛ أن رسول الله ﷺ نهى أن يتزعفر الرجل» [وانظر أيضاً: التمهيد (٢/ ١٨٢) و (٢٥٨) و (٢١/ ٨٦)].
وقال في التمهيد (٢/ ١٨٠): «وأما اختلاف العلماء في لباس الثياب المصبوغة بالزعفران: فقال مالك: لا بأس بلباس الثوب المزعفر، وقد كنت ألبسه، وفي موطأ مالك عن نافع؛ أن ابن عمر كان يلبس الثوب المصبوغ بالمشق والمصبوغ بالزعفران، وتأول مالك وجماعة معه حديثه عن سعيد بن أبي سعيد عن عبيد بن جريج عن ابن عمر؛ أن النبي ﵇ كان يصبغ بالصفرة؛ إنه كان يصبغ ثيابه بصفرة الزعفران، وقد ذكرنا من خالفه في تأويله ذلك … ».
وقال الذهبي بعد أن أورد بعض المراسيل وما لا يثبت في الصبغ بالزعفران: وهذه المراسيل لا تقاوم ما في الصحيح من نهي النبي ﷺ عن التزعفر، وفي لفظ: نهى أن يتزعفر الرجل، ولعل ذلك كان جائزاً، ثم نهي عنه [تاريخ الإسلام (١/ ٧٨٣). السير (٢/ ٤١٩)].
قلت: والحاصل من إيراد أقوال الأئمة السالفة الذكر: أنهم لم يعبؤوا بالأدلة الواردة في التصفير واستعمال الزعفران في الثياب واللحية والعمامة، فأسقطوا منها ما لا يصلح في الاحتجاج، كالمراسيل والمناكير، وأولوا منها ما كان صحيحاً غير صريح، مثل حديث عبيد بن جريج عن ابن عمر في تصفير اللحية، ومثل قصة عبد الرحمن بن عوف لما تزوج، ونحوها من الأحاديث الصحاح، وإنما اعتمدوا في الباب: حديث أنس في نهي الرجل عن التزعفر، والله أعلم.
٣ - حديث يعلى بن أمية، في قصة المتضمخ بالخلوق:
* رواه همام بن يحيى: حدثنا عطاء، قال: حدثني صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه، أن رجلاً أتى النبي ﷺ وهو بالجعرانة وعليه جُبَّةٌ، وعليه أثر الخلوق، أو قال: صفرة، فقال: كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ فأنزل الله على النبي ﷺ، فستر بثوب، ووددت أني قد رأيت النبي ﷺ وقد أنزل عليه الوحي، فقال عمر: تعال، أيسرك أن تنظر إلى النبي ﷺ وقد أنزل الله الوحي؟ قلت: نعم، فرفع طرف الثوب، فنظرت إليه، له