للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

النعل والإزار، وهذا يفيد الجواز، وأما سقوط الفدية فلا، فهلا قلتم كما قال أبو حنيفة: يجوز له ذلك مع الفدية؟ فاستفاد الجواز من هذا الحديث، واستفاد الفدية من حديث كعب بن عجرة، حيث جوز له فعل المحظور مع الافتداء، فكان أسعد بالنصوص وموافقتها منكم، مع موافقته لابن عمر في ذلك.

قيل: بل إيجاب الفدية ضعيف في النص والقياس، فإن النبي ذكر البدل في حديث ابن عمر وابن عباس وجابر وعائشة، ولم يأمر في شيء منها بالفدية، مع الحاجة إلى بيانها، وتأخير البيان عن وقته ممتنع فسكوته عن إيجابها مع شدة الحاجة إلى بيانه - لو كان واجبا - دليل على عدم الوجوب، كما أنه جوز لبس السراويل بلا فتق، ولو كان الفتق واجبا لبينه. وأما القياس فضعيف جدا؛ فإن مثل هذا من باب الأبدال التي تجوز عند عدم مبدلاتها، كالتراب عند عدم الماء، وكالصيام عند العجز عن الإعتاق والإطعام، وكالعدة بالأشهر عند تعذر الأقراء ونظائره، ليس هذا من باب المحظور المستباح بالفدية.

والفرق بينهما: أن الناس مشتركون في الحاجة إلى لبس ما يسترون به عوراتهم، ويقون به أرجلهم الأرض والحر والشوك ونحوه، فالحاجة إلى ذلك عامة، ولما احتاج إليه العموم لم يحظر عليهم، ولم يكن عليهم فيه فدية، بخلاف ما يحتاج إليه لمرض أو برد، فإن ذلك حاجة لعارض، ولهذا رخص النبي للنساء في اللباس مطلقا بلا فدية، ونهى عن النقاب والقفازين، فإن المرأة لما كانت كلها عورة، وهي محتاجة إلى ستر بدنها، لم يكن عليها في ستر بدنها فدية، وكذلك حاجة الرجال إلى السراويلات والخفاف هي عامة، إذا لم يجدوا الإزار والنعال، وابن عمر لما لم يبلغه حديث الرخصة مطلقا أخذ بحديث القطع، وكان يأمر النساء بقطع الخفاف، حتى أخبرته بعد هذا صفية زوجته عن عائشة: أن النبي أرخص للنساء في ذلك، فرجع عن قوله.

ومما يبين أن النبي أرخص في الخفين بلا قطع بعد أن منع منهما: أن في حديث ابن عمر المنع من لبس السراويل مطلقا، ولم يبين فيه حالة من حالة، وفي حديث ابن عباس وجابر المتأخرين ترخيصه في لبس السراويل عند عدم الإزار، فدل على أن رخصة البدل لم تكن شرعت في لبس السراويل، وأنها إنما شرعت وقت خطبته بها، وهي متأخرة، فكان الأخذ بالمتأخر أولى، لأنه إنما يؤخذ بالآخر فالآخر من أمر رسول الله .

فمدار المسألة على ثلاث نكت إحداها: أن رخصة البدلية إنما شرعت بعرفات لم تشرع قبل. والثانية: أن تأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع. والثالثة: «أن المقطوع كالنعل أصل، لا أنه بدل. والله أعلم».

وقال يوسف المقدسي في المقرر (١/ ٥٣٧): «وذهب شيخنا وجده وغيرهما، إلى أن هذا [يعني: حديث ابن عباس] ناسخ لحديث ابن عمر».

وقال ابن حجر في الفتح (٣/ ٤٠٣): « … وأجاب الحنابلة بأشياء منها: دعوى النسخ في حديث ابن عمر، ثم ذكر قول عمرو بن دينار في النسخ، ثم كلام أبي بكر

<<  <  ج: ص:  >  >>