فناداه رجل فقال: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فأجابه بذلك، وفيه الأمر بالقطع، وحديث ابن عباس وجابر بعده، وعمرو بن دينار روى الحديثين معاً [سبق بيان أن عمرو بن دينار لم يرو حديث ابن عمر، وإنما ذكره حكاية لذكر الخلاف]، ثم قال: انظروا أيهما كان قبل. وهذا يدل على أنهم علموا نسخ الأمر بحديث ابن عباس، … ».
إلى أن قال:«وقد قال علي ﵁: قطع الخفين فساد، يلبسهما كما هما. وهذا مقتضى القياس، فإن النبي ﷺ سوى بين السراويل وبين الخف في لبس كل منهما عند عدم الإزار والنعل، ولم يأمر بفتق السراويل، لا في حديث ابن عمر ولا في حديث ابن عباس ولا غيرهما. ولهذا كان مذهب الأكثرين: أنه يلبس السراويل بلا فتق عند عدم الإزار، فكذلك الخف يلبس بلا قطع، ولا فرق بينهما. وأبو حنيفة طرد القياس، وقال: تفتق السراويل، حتى تصير كالإزار، والجمهور قالوا: هذا خلاف النص، لأن النبي ﷺ قال: «السراويل لمن لم يجد الإزار» وإذا فتق لم يبق سراويل. ومن اشترط قطع الخف خالف القياس مع مخالفته النص المطلق بالجواز. ولا يسلم من مخالفة النص والقياس إلا من جوز لبسهما بلا قطع، أما القياس فظاهر، وأما النص فما تقدم تقريره. والعجب أن من يوجب القطع يوجب ما لا فائدة فيه، فإنهم لا يجوزون لبس المقطوع كالمداس والجمجم ونحوهما، بل عندهم المقطوع كالصحيح في عدم جواز لبسه. فأي معنى للقطع والمقطوع عندكم كالصحيح؟! وأما أبو حنيفة ﵀ فيجوز لبس المقطوع، وليس عنده كالصحيح، وكذلك المداس والجمجم ونحوهما. قال شيخنا وأفتى به جدي أبو البركات في آخر عمره لما حج. قال شيخنا: وهو الصحيح، لأن المقطوع لبسه أصل لا بدل. قال شيخنا: فأبو حنيفة ﵀ فهم من حديث ابن عمر أن المقطوع لبسه أصل لا بدل، فجوز لبسه مطلقاً، وهذا فهم صحيح، وقوله في هذا أصح من قول الثلاثة، والثلاثة فهموا منه الرخصة في لبس السراويل عند عدم الإزار والخف عند عدم النعل، وهذا فهم صحيح، وقولهم في هذا أصح من قوله.
وأحمد فهم من النص المتأخر لبس الخف صحيحاً بلا قطع عند عدم النعل، وأن ذلك ناسخ للأمر بالقطع، وهذا فهم صحيح، وقوله في ذلك أصح الأقوال.
فإن قيل: فلو كان المقطوع أصلاً، لم يكن عدم النعل شرطاً فيه، والنبي ﷺ إنما جعله عند عدم النعل. قيل: بل الحديث دليل على أنه ليس كالخف، إذ لو كان كالخف لما أمر بقطعه، فدل على أنه بقطعه يخرج عن شبه الخف، ويلتحق بالنعل.
وأما جعله عدم النعل شرطاً فلأجل أن القطع إفساد لصورته وماليته، وهذا لا يصار إليه إلا عند عدم النعل، وأما مع وجود النعل فلا يفسد الخف ويعدم ماليته، فإذا تبين هذا تبين أن المقطوع ملحق بالنعل لا بالخف، كما قال أبو حنيفة، وأن على قول الموجبين للقطع لا فائدة فيه، فإنهم لا يجوزون لبس المقطوع، وهو عندهم كالخف.
فإن قيل: فغاية ما يدل عليه الحديث جواز الانتقال إلى الخف والسراويل عند عدم