للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

غير كفارة؛ لأن الحيض أمر معتاد غالب، فكيف بما يحتاج إليه الناس وهو الاحتذاء والاستتار، فإنه لما احتاج إليه كل الناس لما في تركهما من الضرر شرعاً وعرفاً وطبعاً؛ لم يحتج هذا المباح إلى فدية، لاسيما وكثيراً ما يعدل إلى السراويل والخف للفقر، حيث لا يجد ثمن نعل وإزار، فالفقر أولى بالرخصة، كما قال النبي لما سئل عن الصلاة في ثوب واحد، قال: «أو لكلكم ثوبان؟».

فإن قيل: فهو يحتاج إلى ستر منكبيه أيضاً للصلاة، فينبغي إذا لم يجد رداء أن يلبس القميص.

قلنا: يمكنه أن يتشح بالقميص كهيئة الرداء من غير تغيير لصورته، وذلك يغنيه عن لبسه على الوجه المعتاد.

وقال ابن التركماني في الجوهر النقي (٥/ ٥١ - حاشية السنن) متعقباً البيهقي: قلت: تبين بما ذكره البيهقي أن حديث ابن عباس متأخر، فكان الوجه العمل بإطلاقه وجواز لبسهما بلا قطع، كما ذهب إليه ابن حنبل، إلا أن في سنن النسائي: أخبرنا إسماعيل بن مسعود: ثنا يزيد بن زريع: ثنا أيوب - هو: السختياني، عن عمرو، عن جابر بن زيد عن ابن عباس، سمعت رسول الله فذكر الحديث وفيه: «فإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين، يقطعهما أسفل من الكعبين»، وهذا سند جيد، فيه: «أن اشتراط القطع مذكور في حديث ابن عباس، فلا نسلم أن الإطلاق بجواز لبسهما هو المتأخر».

قلت: تقدم بيان إقحام هذه الجملة بقطع الخفين، وأنها ليست من حديث ابن عباس.

وذكر ابن القيم في تهذيب السنن (١/ ٣٤٣ - ط عطاءات العلم): لحديث ابن عمر أحكاماً عديدة منها: «الحكم الثالث: أنه رخص في لبس الخفين عند عدم النعلين، ولم يذكر فدية، ورخص في حديث كعب بن عجرة في حلق رأسه مع الفدية، وكلاهما محظور بدون العذر والفرق بينهما: أن أذى الرأس ضرورة خاصة لا تعم، فهي رفاهية للحاجة. وأما لبس الخفين عند عدم النعلين فبدل يقوم مقام المبدل، والمبدل - وهو النعل - لا فدية فيه، فلا فدية في بدله، وأما حلق الرأس فليس ببدل، وإنما هو ترفه للحاجة، فجبر بالدم. [قلت: كما يسقط به نسك عن محله، وهو حلق الشعر عند التحلل، بخلاف لبس الخفين].

الحكم الرابع: أنه أمر لابس الخفين بقطعهما أسفل من كعبيه، في حديث ابن عمر، لأنه إذا قطعهما أسفل من الكعبين صارا شبيهين بالنعل. فاختلف الفقهاء في هذا القطع، هل هو واجب أم لا؟ على قولين:

أحدهما: أنه واجب، وهذا قول الشافعي وأبي حنيفة ومالك والثوري وإسحاق وابن المنذر، وإحدى الروايتين عن أحمد، لأمر رسول الله بقطعهما، وتعجب الخطابي من أحمد، فقال: العجب من أحمد في هذا! فإنه لا يكاد يخالف سنة تبلغه، وقلت سنة لم تبلغه. وعلى هذه الرواية إذا لم يقطعهما تلزمه الفدية.

<<  <  ج: ص:  >  >>