للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

عمر اعتبر سماعه بالمدينة، فلو لم يكن عند الباقين علم ناسخ ينسخ ذلك، ومجيء الرخصة في بعض ما قد كان حظر، لم يحلوا الحرام، …

الثامن: أن من أصحابنا من حمل حديث ابن عمر على جواز القطع كما سيأتي، ويكون فائدة التخصيص أن قطعهما في غير الإحرام ينهى عنه بخلاف حال الإحرام، فإن فيه فائدة وهو التشبيه بفعل المحرم، ويقوي ذلك أن القطع كان محظوراً لأنه إضاعة للمال، والنبي نهى عن إضاعة المال، وصيغة: افعل؛ إذا وردت بعد حظر إنما تفيد مجرد الإذن والإباحة. وهذا الجواب فيه نظر. فعلى هذا هل يستحب قطعهما؟ قال بعض أصحابنا: يستحب لأن فيه احتياطاً وخروجاً من الخلاف. وقال القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب في حديث ابن عمر: يحمل قوله: وليقطعهما على الجواز، ويكون فائدة التخصيص أنه يكره قطعهما لغير الإحرام لما فيه من الفساد، ولا يكره للإحرام لما فيه من التشبيه بالنعلين اللتين هما شعار الإحرام.

وقال أحمد في رواية مهنا: ويلبس الخفين ولا يقطعهما. حديث ابن عباس لا يقول فيه: يقطعهما. هشيم، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، قال: سمعت رسول الله يخطب: «إذا لم يجد المحرم نعلين فليلبس الخفين»، … ، قال: وقد رواه جابر عن النبي ، أبو الزبير عن جابر، وقد كره القطع: عطاء وعكرمة، فقالوا: القطع فساد.

وقال في رواية أبي طالب: ويروى عن علي بن أبي طالب: قطع الخفين فساد، يلبسهما كما هما. ولو كان عليه كفارة في لبسهما ما كان رخصة.

وهذا الكلام يقتضي كراهة قطع الخف، وهذا أصح؛ لأن الأمر بقطعهما منسوخ كما تقدم، وقد اطلعوا على ما خفي على غيرهم.

فإن قيل: فهلا أوجبتم الفدية مع اللبس؟ لأن أكثر ما فيه أنه قد لبس السراويل والخف لحاجة، والمحرم إذا استباح شيئاً من المحظورات لحاجة فلا بد له من الفدية، كما لو لبس القميص أو العمامة لبرد أو حر أو مرض.

قلنا: لو خيل إلينا أن هذا قياس صحيح لوجب تركه، لأن الذي أوجب في حلق الرأس ونحوه للحاجة الفدية هو الذي أباح لبس السراويل والخف بغير فدية، حيث أباح ذلك، ولو أوجب الفدية لما أمر بقطعه أولاً وسيما من غير فدية كما تقدم تقريره، فإذا قسنا أحدهما بالآخر كان ذلك بمنزلة قياس البيع على الربا، فإنه لا يجوز الجمع بين ما فرق الله بينه، فكيف وقد تبين لنا أنه قياس فاسد.

وذلك أن ترك واجبات الحج وفعل محظوراته يوجب الفدية؛ إذا فعلت لعذر خاص يكون ببعض الناس بعض الأوقات، فأما ما رخص فيه للحاجة العامة وهو ما يحتاج إليه في كل وقت غالباً فإنه لا فدية معه. ولهذا رخص للرعاة والسقاة في ترك المبيت بمنى من غير كفارة؛ لأنهم يحتاجون إلى ذلك كل عام، ورخص للحائض أن تنفر قبل الوداع من

<<  <  ج: ص:  >  >>