للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الإحالة، لأن من تكلم بلفظ عام، وأراد به ما يقل وجوده من أفراد ذلك العام ويندر، ولا يسمى به إلا على وجه التجوز مع نوع قرينة، مع أن الأغلب وجوداً واستعمالاً غيره؛ لا يكون مبيناً بالكلام بل ملغزاً، وهذا أصل ممهد في موضعه.

وكذلك رواية من روى: «من لم يجد نعلين فليلبس خفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل»، فإن الخفين مطلق، وتقييد المطلق مثل تخصيص العام، فلا يجوز أن يقيد بصورة نادرة الوجود، ولا يقع عليها الاسم إلا مجازاً بعيداً، وصار مثل أن يقول: البس قميصاً، ويعني به قميصاً بقرت أكمامه وفتقت أوصاله، فإن وجود هذا نادر، وبتقدير وجوده لا يسمونه قميصاً.

ولما تفطن جماعة من أهل الفقه لمثل هذا، وعلموا أن أحد الحديثين لا يجوز أن يعنى به ما عني بالآخر، لم يكن لهم طريق إلا أن قالوا: هما حديث واحد، فيه زيادة حفظها بعضهم وأغفلها غيره. وقد بينا أنهما حديثان.

وبهذا الذي ذكرنا يتبين بطلان ما قد يورد على هذا، مثل أن يقال: التخصيص والتقييد أولى من النسخ، أو أن من أصلنا أن العام يبنى على الخاص، والمطلق على المقيد، وإن كان العام والمطلق هما المتأخران في المشهور من المذهب، فإنما ذاك حيث يجوز أن يكون التخصيص والتقييد واقعاً، فيكون الخطاب الخاص المقيد يبين مراد المتكلم من الخطاب العام المطلق، أما إذا دلنا دليل على أن المراد باللفظ إطلاقه وعمومه، أو أن تخصيصه وتقييده لا يجوز، أو أن اللفظ ليس موضوعاً لتلك الصورة المخصوصة المقيدة، أو كان هناك قرينة تبين قصد النسخ والتغيير، إلى غير ذلك من الموجبات؛ فإنه يجب المصير إليه.

وببعض ما ذكرناه صار قوله: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً﴾ [التوبة: ٣٦] ناسخا لقوله: ﴿قِتَالُ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ [البقرة: ٢١٧]، وقوله: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] ناسخا لقوله: ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩١]، فكيف وما ذكرناه بعيد عن المطلق والمقيد.

الوجه السادس: أن عبد الرحمن لما أنكر عليه عمر الخف، قال: قد لبسته مع من هو خير منك. يعني: رسول الله ، فقد بين أنه لبس الخف مع رسول الله ، وإنما كان خفاً صحيحاً، وهذا بين [قلت: وهذا حديث باطل، سبق بيانه].

السابع: أن أكابر الصحابة مثل: عمر، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، وعائشة، وابن عباس، رخصوا في لبس الخفين والسراويلات وترك قطعهما [قلت: إنما ثبت ذلك عن عمر وابن عباس حسب]، ومعلوم أن النبي قد نهى المحرم عن لبس الخفاف والسراويلات نهياً عاماً قد علم ذلك كل أحد، فترخيصهم لمن لم يجد الإزار والنعل أن يلبس السراويل والخف لا يجوز أن يكون باجتهاد، بل لا بد أن يكون عن علم عندهم بالسنة، ثم ابن عمر أمر بالقطع، وغيره لم يأمر به، بل جوز لبس الصحيح، ومعلوم أن ابن

<<  <  ج: ص:  >  >>