عبد الله وقد حكى له أنه ناظر بعض أصحاب الشافعي في قطع الخفين، وأن سبيل السراويل وسبيل الخف واحد، فتبسم أبو عبد الله، وقال: ما أحسن ما احتججت عليه!
الوجه الرابع: أن المطلق إنما يحمل على المقيد إذا كان اللفظ صالحا له عند الإطلاق ولغيره، فيتبين باللفظ المقيد أنما المراد هو دون غيره، مثل قوله تعالى: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [المجادلة: ٣]، فإنه اسم مطلق يدخل فيه المؤمنة والكافرة، فإذا عني به المؤمنة جاز لأنها رقبة وزيادة، وكذلك صوم ثلاثة أيام يصلح للمتتابعة وللمتفرقة، فإذا بين أنها متتابعة جاز، وهنا أمر بلبس الخف والسراويل، ومتى قطع الخف حتى صار كالحذاء، وفتق السراويل حتى صار إزارا، لم يبق يقع عليه اسم خف ولا سراويل، ولهذا إذا قيل: امسح على الخف، ويجوز المسح على الخف، وأمرنا أن لا ننزع خفافنا؛ لم يدخل فيه المقطوع والمداس، ولا يعرف في الكلام أن المقطوع والمداس ونحوهما يسمى خفا، ولهذا في حديث:«فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين»، فسماهما خفين قبل القطع، وأمر بقطعهما كما يقال: افتق السراويل إزارا، واجعل القميص رداء، ومعلوم أنه إنما يسمى قميصا وسراويل قبل ذلك، فعلم أن المقطوع لا يسمى بعد قطعه خفا أصلا، إلا أن يقال: خف مقطوع، كما يقال: قميص مفتوق، وهو بعد الفتق ليس بقميص ولا سراويل، وكما يقال: حيوان ميت، وهو بعد الموت ليس بحيوان أصلا، فإن حقيقة الحيوان الشيء الذي به حياة، وكما يقال لعظام الفرس: هذا فرس ميت، ويقال لخل الخمر: هذا خمر مستحيل، ومعلوم أنه ليس خمرا؛ يسمى الشيء باسم ما كان عليه إذا وصف بالصفة التي هو عليها الآن؛ لأن مجموع الاسم والصفة ينبئ عن حقيقته، فإذا ذكر الاسم وحده لم يجز أن يراد به إلا معناه الذي هو معناه، والنبي ﷺ أمر هنا بلبس الخف، وما تحت الكعب لا يسمى خفا، فلا يجوز حمل الكلام عليه، فضلا عن تقييده به، بخلاف الرقبة المؤمنة والأيام المتتابعات، فإنها رقبة وأيام، وهذا بين واضح.
الوجه الخامس: أنه لو سمي خفا فإن وجوده نادر، فإن الأغلب على الخفاف الصحة، وإنما يقطع الخف من له في ذلك غرض، والنبي ﷺ قال:«السراويل لمن لم يجد الإزار، والخفاف لمن لم يجد النعال»، فذكر الخفاف بصيغة الجمع معرفة بلام التعريف، وهذا يقتضي الشمول والاستغراق، فلو أراد بذلك ما يقل وجوده من الخفاف لكان حملا للفظ العام على صورة نادرة، وهذا غير جائز أصلا [قلت: عامة من روى الحديث عن حماد بن زيد قالوا: «السراويل لمن لا يجد الإزار، والخفان لمن لا يجد النعلين»، بالتثنية وليس بالجمع، وعامة من روى الحديث عن عمرو بن دينار قالوا:«من لم يجد نعلين فليلبس خفين، ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل»، واختلفوا في التعريف والتنكير].
ولهذا أبطل الناس تأويل من تأول قوله:«أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها» على المكاتبة، فكيف إذا كانت تلك الصورة النادرة بعض مجازات اللفظ؟ فإنه أعظم في