للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وهذا يبين لذي لب أن هذه رخصة بعد نهي، حيث رأى النبي في أيام الإحرام المشقة والضرورة بكثير من الناس إلى السراويلات والخفاف، فرخص فيهما بدلاً عن الإزار والنعل، وأعرض عن ذكر بقية الملابس إذ لا بدل لها لعدم الحاجة إلى البدل منها، فإن بالناس حاجة عامة إلى ستر العورة شرعاً، وبهم حاجة عامة إلى الاحتذاء طبعاً، فإن الاحتفاء فيه ضرر عظيم ومشقة شديدة، خصوصاً على المسافرين في مثل أرض الحجاز.

واقتطع ذكر الخف والسراويل دون غيره: ليبين أنه إنشاء حكم غير الحكم الأول وبيانه، وأنه ليس مقصوده إعادة ما كان ذكره بالمدينة، إذ لو كان مقصوده بيان أنواع الملابس لذكر ما ذكره بالمدينة، فسمع ذلك ابن عباس وجابر وغيرهما، وأفتى بمضمونه خيار الصحابة وعامتهم، ولم يسمع ابن عمر هذا، فبقي يفتي بما سمعه أولاً، كما أن حديثه في المواقيت ليس فيه ميقات أهل اليمن، لأنه وَقَّت بعد، وكما أفتى النساء بالقطع حتى حدثته عائشة أن رسول الله رخص للنساء في الخفاف مطلقاً، وأنهن لم يعنين بهذا الخطاب.

ولهذا أخذ بحديثه بعض المدنيين في أن السراويل لا يجوز لبسه، وأن لابسه للحاجة عليه الفدية؛ حيث لم يأذن النبي فيه، ومعلوم أن هذا موجب حديثه، فإذا نسخ موجب حديثه في السراويل نسخ موجبه في الخف؛ لأن النبي ذكرهما جميعاً وسبيلهما واحد.

قال مالك وقد سئل [عما ذكر عن] النبي أنه قال: «من لم يجد إزاراً فليلبس سراويل»، قال مالك: لم أسمع بهذا، ولا أرى أن يلبس المحرم سراويل؛ لأن رسول الله نهى عن لبس السراويلات فيما نهى عنه من لبس الثياب التي لا ينبغي للمحرم أن يلبسها، ولم يستثن فيها كما استثنى في الخفين.

فهذا قول من لم يبلغه حديث ابن عباس، وقد أحسن فيما فهم مما سمع.

الثالث: أنه لما قال: «الخفان لمن لم يجد النعلين، والسراويل لمن لم يجد الإزار»؛ لو قصد بذلك الخف المقطوع لوجب أن يقصد بذلك السراويل المفتوق؛ لأن المقصود بقطع الخف تشبيهه بالنعل، فكذلك السراويل ينبغي أن يشبه بالإزار، بل فتق السراويل أولى لوجوه: أحدها: أنه محيط بأكثر مما يحيط به الخف.

والثاني: أنه ليس في فتقه إفساد له، بل يمكن إعادته سراويلاً بعد انقضاء الإحرام.

والثالث: أن فتق السراويل يجعله بمنزلة الإزار، حتى يجوز لبسه مع وجود الإزار بالإجماع، بخلاف قطع الخف، فإنه يقربه إلى النعل ولا يجعله مثله، فإذا لم يقصد بالسراويل [إلا السراويل] المعروف كما تقدم، فالخف أولى أن لا يقصد به إلا الخف المعروف، وإن جاز أن يدعى أنه اكتفى بما ذكره أولاً من القطع، جاز أن يدعى أنه اكتفى بالمعنى الذي نبه عليه في الأمر بالقطع، وهو تغيير صورته إلى ما يجوز لبسه، وذلك مشترك بين الخف والسراويل، بل هو بالسراويل أولى، فإن تقييد المطلق بالقياس جائز كتقييده بلفظ آخر، لكن هذا باطل لما تقدم، فالآخر مثله، وهذا معنى ما ذكره مهنا لأبي

<<  <  ج: ص:  >  >>