للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

منهم لم ير النبي قبل تلك الأيام، وفيهم الأعراب ونحوهم، وقد قال لهم في الموسم: «لتأخذوا عني مناسككم». فكيف يجوز أن يأمرهم بلبس الخفاف والسراويلات، ومراده الخف المقطوع والسراويلات المفتوقة، من غير أن يكون هناك قرينة مقالية ولا حالية تدل على ذلك؟ بل القرائن تقضي بخلاف ذلك بناء على أنه أمر بالقطع لناس غيرهم. هذا لا يجوز أن يحمل عليه كلام رسول الله ، فإن ذلك تلبيس وتأخير للبيان عن وقت الحاجة، وذلك لا يجوز عليه.

وما هذا إلا بمثابة أن يقول رجل لخياط: خط لي قميصا أو خفا، فيخيط له صحيحا، فيقول: إنما أردت قميصا بقيرا أو خفا مقطوعا، لأني قد أمرت بذلك للخياط الآخر، فيقول: وإذا أمرت ذاك ولم تأمرني أفأعلم الغيب؟ بل أمره بلبس الخف والسراويل وسكوته عن تغييرهما يدل أصحابه الذين سمعوا الحديث الأول أنه أراد لبسهما على الوجه المعروف، وأنه لو أراد تغييرهما لذكره، كما ذكر أولا، كما فهموا ذلك منه على ما تقدم.

ويوضح ذلك أنه لو كان مكتفيا بالحديث الأول لاكتفى به في أصل الأمر بلبس الخف لمن لم يجد النعل، ولم يعده ثانيا. فإذا لم يستغن عن أصل الأمر؛ فكيف يستغني عن صفته ويتركه ملبسا مدلسا؟ وقد كان الإعراض عن ذكر أصله وصفته أولى في البيان لو كان حاصلا بالحديث الأول من ذكر لفظ يفهم خلاف المراد.

الثاني: أن حديث ابن عمر فيه: نهي النبي وهم بالمدينة قبل الإحرام - عن لبس السراويل مطلقا كما نهى عن لبس العمامة والقميص، ولم يأذن في لبسه بحال، ونهى عن لبس الخف إلا إذا عدم النعل فيلبس مقطوعا. ففهم ابن عمر منه الأمر بالقطع للرجال والنساء لعموم الخطاب لهما، كما عمهم النهي عن لبس ثوب مسه ورس أو زعفران، وإن لم يعمهم النهي عن لبس ثوب القميص والبرانس والسراويلات، فإن المرأة محتاجة إلى ستر بدنها ورأسها، فكان ذلك قرينة عند ابن عمر تعلمه أنها لم تدخل في النهي عن ذلك، وليس بها حاجة إلى الخف الصحيح، فجوز أن تنهى عن لبس ما يصنع لرجلها كما نهيت عن القفاز والنقاب، فلو ترك الناس وهذا الحديث لم يجز لأحد لبس السراويل إلا أن يفتقه، أو يفتدي بلبسه صحيحا، وكان معناه أن عدم الإزار والنعل لا يبيح غيره إلا أن يكون قريبا منه، وذكر هذا في ضمن ما نهى عنه من سائر الملابس؛ مثل العمامة والبرنس والقميص والمصبوغ بالورس والزعفران.

فمضمون هذا الحديث: هو المنهي عنه من اللباس ليجتنبه الناس في إحرامهم، وكان قطع الخف إذ ذاك مأمورا به، وإن أفسده اتباعا لأمر الله ورسوله حيث لا رخصة في البدل، ثم جاء حديث ابن عباس بعد هذا بعرفة ليس فيه شيء من المنهيات، إنما فيه الأمر لمن لم يجد الإزار أن يلبس السراويل، ولمن لم يجد النعل أن يلبس الخف، وترك ذكر بقية الملابس.

<<  <  ج: ص:  >  >>