الفتق، فقال:«حمله على هذا يبطل فائدة قوله: «فمن لم يجد إزاراً»؛ لأنه إذا فتقه جاز أن يتزر به مع وجود الإزار؛ لأن جواز لبسه بعد فتقه لا يشتبه على أحد، فحمل الخبر عليه لا يفيد شيئاً».
• وقال أبو العباس القرطبي في المفهم (٣/ ٢٥٧): «وقوله: «إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين»؛ هذا الحديث رد على من قال: إن المحرم لا يقطع الخفين لأنه إضاعة مال، وهذا من هذا القائل حكم بالعموم على الخصوص، وهو عكس ما يجب؛ إذ هو: إعمال المرجوح وإسقاط الراجح، وهو فاسد بالإجماع.
ثم إن قال بإباحة قطع الخف، فإذا لبسه فهل تلزمه فدية، أم لا تلزمه؟ قولان: الأول: لأبي حنيفة. والثاني: لمالك. وهو الأولى؛ لأنه لو لزمته لبينها النبي ﷺ للسائل حين سأله؛ إذ ذاك محل البيان ووقته، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة بالإجماع، وأيضاً فحينئذ يكون قطع الخف لا معنى له؛ إذ الفدية ملازمة بلباسه غير مقطوع، فأما لو لبس الخفين المقطوعين مع وجود النعل للزمته الفدية بلبسهما، فإنه إنما أباح الشارع له لباسهما مقطوعين بشرط عدم النعلين، فلبسهما كذلك غير جائز هذا قول مالك، واختلف فيه قول الشافعي».
وقال أيضاً (٣/ ٢٥٨): «وقوله: «السراويل لمن لم يجد الإزار، والخفان لمن لم يجد النعلين»، قال بظاهره أحمد بن حنبل، فأباح لباس الخف والسراويل لمن لم يجد النعلين والإزار غير مقطوعين، والجمهور على أنه لا يلبسهما حتى يقطع الخف، ويفتق السراويل، ويصيره كالإزار، فأما لو لبسها كذلك للزمته الفدية، ودليل صحة هذا التأويل: قوله فيما تقدم في الخف: «وليقطعهما أسفل من الكعبين»، والأصل المقرر: حمل المطلق على المقيد، ولا سيما إذا اتحدت القضية، وحكم السراويل في الفتق ملحق بالخف في القطع؛ لمساقهما مقترنين في الحديث، ولاستوائهما في الشرط، ولشهادة المعنى لذلك، وقد تقدم في كتاب الصلاة: أن الورس: نبات أصفر يصبغ به».
• وقال ابن قدامة في المغني (٥/ ١٢٠): «مسألة: قال: فإن لم يجد إزاراً لبس السراويل، وإن لم يجد نعلين لبس الخفين، ولا يقطعهما، ولا فداء عليه.
لا نعلم خلافاً بين أهل العلم، في أن للمحرم أن يلبس السراويل، إذا لم يجد الإزار، والخفين إذا لم يجد نعلين. وبهذا قال: عطاء، وعكرمة، والثوري، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وغيرهم.
والأصل فيه: ما روى ابن عباس قال: سمعت النبي ﷺ يخطب بعرفات، يقول: «من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل»؛ للمحرم. متفق عليه. وروى جابر عن النبي ﷺ مثل ذلك. أخرجه مسلم.
ولا فدية عليه في لبسهما عند ذلك في قول من سمينا، إلا مالكاً وأبا حنيفة، قالا: