والثالث: أن خبرنا رواه ابن عباس وغيره، وخبرهم تفرد بروايته ابن عمر.
والرابع: خبرنا عملت عليه الأئمة؛ عمر، وعلي، وابن عباس، وعائشة، وسعد بن أبي وقاص [قلت: ولا يثبت هذا عن علي وعائشة وسعد، إنما ثبت عن عمر، وابن عباس].
وجواب خامس، وهو: أنا نحمل قوله: «وليقطعهما» على الجواز، وتكون فائدة التخصيص: أنه يكره قطعهما لغير الإحرام؛ لما فيه من الفساد.
وأما قولهم: إن خبرنا مقيد، وخبركم مطلق؟ فإنما يكون المقيد يقضي على المطلق إذا لم يمكن تأويله، وقد تأولنا التقييد على الجواز دون الإيجاب. وعلى أن أبا بكر المروذي قال: احتججت على أبي عبد الله بقول ابن عمر عن النبي ﷺ، وقلت: هو زيادة في الخبر، فقال: هذا حديث، وذاك حديث، ورد هذا الكلام. وظاهر هذا أنه لم يحمل المطلق على المقيد.
فإن قيل: فخبرنا فيه زيادة لفظ، وهو القطع. قيل له: وخبرنا فيه زيادة حكم، وهو جواز اللبس بغير قطع.
وإن قاسوا عليه إذا لبسهما مع وجود النعلين، فالمعنى فيه: أنه ممنوع منه، وهاهنا قد أباحه الشرع نطقا، فهو كخف المرأة … .»، إلى آخر كلامه.
• وقال القنازعي في تفسير الموطأ (٢/ ٦٠٢): «سألت أبا محمد عن الحديث الذي رواه: حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «السراويل لمن لم يجد الإزار، والخف لمن لم يجد النعلين»؟
فقال لي أبو محمد: انفرد جابر بن زيد بهذا الحديث عن ابن عباس، وهذا حديث لا يعرف عند أحد من أصحاب ابن عباس بالحجاز، ولهذا أنكره مالك، وجابر بن زيد: رجل من أهل البصرة، ولا يعرف هذا الحديث بالمدينة».
قلت: ابن عباس سكن مكة في آخر عمره، وقد سكن البصرة أيام علي وكان أميرا عليها، فكيف يستغرب أن يحمل عنه هذا الحديث رجل بصري، وأبو الشعثاء جابر بن زيد: بصري، ثقة فقيه، مشهور بالرواية عن ابن عباس، وحديثه عنه في الصحيحين [انظر: التحفة (٥٣٧٥ - ٥٣٨١)]، وهو: ثقة متفق على توثيقه، ويكفي فيه ثناء ابن عمر وابن عباس عليه، وذلك فضلا عن ثناء التابعين عليه، مثل: قتادة، وعمرو بن دينار، وإياس بن معاوية.
قال سفيان بن عيينة: سمعت عمرو بن دينار، يقول: أخبرني عطاء؛ سمع ابن عباس، يقول: «لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد، لأوسعهم علما عما في كتاب الله» [طبقات ابن سعد (٧/ ١٧٩). التاريخ الكبير (٢/ ٢٠٤) (٢/ ٧٠٨ - ط الناشر المتميز). جزء سعدان (١٠٧). الثاني من حديث ابن عيينة لعلي بن حرب الطائي (٤٧).
المعرفة والتاريخ (٢/١٢). تاريخ أبي زرعة الدمشقي (٦٧٢). الجرح والتعديل (٢/ ٤٩٤).