للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فيمن لبس الخف، وهو يجد النعل، إلا أنه لا يمكنه لبسهما: يلبسه، ويفتدي.

وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا يجوز لبسهما على صفتهما، بل يقطعهما أسفل من الكعبين، فإن لبسهما افتدى.

دليلنا: ما تقدم من حديث ابن عباس، وقول النبي : «فمن لم يجد النعلين، فليلبس خفين».

فأجاز لبس الخفين إذا لم يجد النعلين، وإذا ثبت جواز لبسه ثبت أنه لا فدية عليه؛ لأن أحداً لا يفرق بين الأمرين. ولأن النبي بين حكم اللبس وجوازه، وأعرض عن ذكر الفدية، ولو كانت واجبة لبينها؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك؛ لأن من جهل جواز اللبس كان بأن يجهل وجوب الفدية أولى.

فإن قيل: قوله «فليلبس خفين»؛ يعني: من بعد ما يقطعه.

قيل له: حمله على هذا يبطل فائدة قوله: «فمن لم يجد النعلين»؛ لأنه إذا قطعه جاز أن يلبس مع وجود النعلين. وعلى أن جواز لبسه بعد قطعه لا يشتبه على أحد، فحمل الخبر عليه لا يفيد شيئاً.

فإن قيل: أكثر ما فيه جواز لبسه، وليس فيه نفي وجوب الفدية. قيل له: لو كانت الفدية واجبة لبين، … ثم ذكر حديث عبد الرحمن بن عوف في الخفين، وهو حديث باطل كما سبق بيانه، ثم قال: «ولأنه لبس أباحه الشرع نطقاً، فلم يتعلق به وجوب الفدية قياساً على لبس الإزار والنعلين. ولأن في قطعة ضرراً عليه، كما أن عليه في فتق السراويل ضرراً.

ثم قد ثبت أنه يجوز لبس السراويل عند عدم الإزار على قول الشافعي، كذلك هاهنا»، ثم ذكر بعض الإيرادات على الفرق بين الخف والسراويل، ورد عليها بما يطول المقام بذكرها.

ثم قال: «واحتج المخالف بما تقدم من حديث ابن عمر: «فإن لم يجد النعلين فليلبس الخفين، ويقطعهما أسفل من الكعبين»، فنص على القطع، وهذا مقيد، وخبر ابن عباس مطلق، والمقيد يقضي على المطلق. والجواب: أنا نقابل هذا بحديث ابن عباس، وهو أولى من وجوه: أحدها: أنه لم يختلف فيه، وخبر ابن عمر اختلف في اتصاله، فقال أبو داود في سننه: رواه موسى بن طارق، عن موسى بن عقبة موقوفاً على ابن عمر، وكذلك رواه عبيد الله بن عمر ومالك وأيوب. [قلت: هذه مغالطة، فكلام أبي داود إنما كان في مسألة إدراج جملة النقاب والقفازين، وليس ذلك مما يعود على الحديث بشيء من الضعف].

والثاني: أن لفظ خبر ابن عباس لم يختلف، وخبر ابن عمر اختلف؛ فروي القطع، وروي ترك القطع، … [قلت: الثابت من رواية الثقات عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً: «فمن لم يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين»، ولا يثبت عنه غير هذا].

<<  <  ج: ص:  >  >>