يفيد شيئا، ولهذا نقول في الخفين ما نقوله في السراويل، والكلام عليه يأتي.
فإن قيل: فأكثر ما فيه إباحة لبسه على جهته في حال عدم الإزار، وليس فيه نفي وجوب الفدية، فلا دلالة فيه على موضع الخلاف.
قيل [له]: لو كانت واجبة لبينها؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك؛ لأنه إذا كانت إباحته مع الفدية لا يجوز أن يلبس اللبس، ولا يبين ما يجب عليه، ولاسيما وهو بعرفات يخاطب المحرمين الذين يحتاجون إلى معرفة الفدية، كما يحتاجون أن يعلموا إباحة اللبس، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
والقياس: أنه لبس أباحه الشرع نطقا، فوجب أن لا تجب به الفدية. دليله: لبس الإزار والنعلين. ولا يلزم عليه لبس القميص والبرنس لشدة حر أو برد أنه مباح، وتجب الفدية؛ لأن إباحته باجتهاد، لا من جهة النطق.
واحتج المخالف بما روى ابن عمر: أن رجلا سأل النبي ﷺ عما يلبسه المحرم؟ فقال: «لا يلبس المحرم القميص، ولا السراويلات، ولا العمائم، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين»، فنهى عن السراويل نهيا عاما. والجواب: أن هذا محمول عليه إذا كان واجدا للإزار بدليل حديث ابن عباس.
واحتج بأنه لو لبسه مع وجود الإزار لزم دم، كذلك إذا لبسه مع عدمه كالقميص.
والجواب: أن هذا موضوع فاسد؛ لأنه لا يجوز اعتبار حالة العذر بحالة عدم العذر في وجوب الضمان؛ لأن وجوب الضمان طريقه التغليظ، فلا يستدل بذلك في حالة عدم العذر.
ثم المعنى في القميص: أنه ممنوع من لبسه، فلهذا كانت عليه الفدية، وليس كذلك هاهنا؛ لأنه لبس أباحه الشرع نطقا، فلم تجب به الفدية. دليله: لبس الإزار والنعلين. وقد دللنا على إباحة الشرع نطقا بحديث ابن عباس.
واحتج بأن إباحة لبسه في حالة عدم الإزار لا تمنع وجوب الدم؛ لأن ما يستبيحه المحرم إذا كان فيه ضرر من الاستمتاع، فإنه لا يختلف حال العذر وغيره.
والجواب: أن للعذر تأثير في إسقاط الفدية بدليل أن الصيد إذا صال عليه، فقتله دفعا عن نفسه فلا فدية عليه، وكذلك ترك طواف الصدر يوجب دما، ويختلف حال العذر وغيره، ألا ترى أن المرأة لو تركته وهي طاهر لزمها دم، و [لو] تركته وهي حائض لم يلزمها شيء، وبهذا وردت السنة عن النبي ﷺ: «أنه رخص للحيض في ترك طواف الصدر، ولم يوجب عليهن شيئا».
ثم قال القاضي (١/ ٣٤٧): «مسألة: إذا لم يجد المحرم النعلين لبس الخفين، ولا يقطعهما، ولا فدية عليه:
نص عليه في رواية أبي طالب ومهنا وبكر بن محمد وإسحاق، ونقل أبو داود عنه