للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أو صدقة غير محدودة ولا بد؛ ولا سيما وأنتم تقولون: إن الكفارات لا يجوز أخذها بالقياس، فكم هذا التلاعب بالدين؟

وأما قول مالك فتقسيمه بين حكم السراويل وبين حكم لبس الخفين، خطأ لا برهان على صحته، ومالك معذور، لأنه لم يبلغه حديث ابن عباس، وإنما الملامة على من بلغه وخالفه لتقليد رأي مالك.

وأما قول محمد بن الحسن فخطأ؛ لأنه استدرك بعقله على رسول الله ما لم يأمر به وأوجب فدية حيث لم يوجبها النبي .

قال أبو محمد: وهم يعظمون خلاف الصاحب الذي لا يُعرف له مخالف؛ وقد ذكرنا في هذه المسألة ما روي عن ابن عباس، وابن عمر، وعائشة، وعلي، والمسور، ولا نعلم لأحد من الصحابة قولاً غير الأقوال التي ذكرنا في هذه المسألة، فخالفها الحنفيون والمالكيون، كلها آراء فاسدة، لا دليل على صحتها أصلاً، وبالله تعالى التوفيق».

وقال القاضي أبو يعلى في التعليقة الكبيرة (١/ ٣٤١): «مسألة: إذا لم يجد المحرم الإزار لبس السراويل، ولا فداء عليه:

نص عليه في رواية بكر بن محمد: وذكر له: إذا لم يجد إزاراً يلبس السراويل، قال: أذهب إليه. وفي رواية مهنا - أيضاً -، وقد حكي له أنه ناظر بعض أصحاب الشافعي في قطع الخفين، وإن سبيل السراويل وسبيل الخف واحد، فتبسم أبو عبد الله، وقال: ما أحسن ما احتججت عليه.

وهو قول الشافعي. وقال أبو حنيفة ومالك: إن لبس سراويل وجبت الفدية. واختلف أصحاب أبي حنيفة: هل يجوز له لبسه؟ فقال الطحاوي: لا يجوز له لبسه حتى يفتقه.

وقال الرازي: يجوز له لبسه ويفتدي، وبه قال أصحاب مالك.

دليلنا: ما روى أحمد في المسند بإسناده عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس: أنه سمع رسول الله وهو يخطب، يقول: «من لم يجد إزاراً ووجد سراويل فليلبسها، ومن لم يجد نعلين ووجد خفين فليلبسهما». قلت: ولم يقل: ليقطعهما؟ قال: لا»، … ثم ذكر القاضي رواية شعبة: يخطب بعرفات، ثم ذكر حديث أبي الزبير عن جابر، ومرسل بكر بن عبد الله المزني [ولا يثبت]، ثم قال: فأجاز لبس السراويل إذا لم يجد إزاراً، وإذا ثبت جواز لبسه ثبت أنه لا فدية فيه؛ لأن أحداً لا يفرق بين الأمرين، ولأن النبي بين حكم اللبس وجوازه، وأعرض عن ذكر الفدية، ولو كانت واجبة لبينها؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك؛ لأن من جهل جواز اللبس كان بأن يجهل وجوب الفدية أولى.

فإن قيل: قوله: «فليلبس سراويل»؛ يعني به بعدما يفتقه كما قال: «فليلبس خفين» وأراد به بعدما يفتقهما أسفل من الكعبين.

قيل له: حمله على هذا يبطل فائدة قوله: «فمن لم يجد إزاراً»؛ لأنه إذا فتقه جاز أن يتزر به مع وجود الإزار؛ لأن جواز لبسه بعد فتقه لا يشتبه على أحد، فحمل الخبر عليه لا

<<  <  ج: ص:  >  >>