الإباحة بلا فدية، ومرسل اللبس إنما هو اللبس المعهود، دون الاتزار، فإن الاتزار بالسراويل لا يعم ستر العورة غالباً».
• وقال الماوردي في الحاوي (٤/ ٩٧): «فأما لبس الخفين فغير جائز مع وجود النعلين، وإن أجازه عبد الرحمن بن عوف؛ لنص الخبر، فإذا عدم النعلين جاز أن يلبس الخفين إذا قطعهما من دون الكعبين، فإن لم يقطعهما لم يجز، وعليه الفدية إن لبسهما، وهو قول الجمهور، وقال أحمد بن حنبل: يجوز أن يلبسهما غير مقطوعين عند عدم النعلين، وبه قال من التابعين: عطاء بن أبي رباح، وسعيد بن سالم القداح، استدلالاً برواية أبي الشعثاء جابر بن زيد عن ابن عباس … » فذكره ثم قال: «والدلالة على ما قلنا» فاستدل بحديث ابن عمر، ثم قال:«فكان هذا أولى من حديث ابن عباس لزيادته، فأما إن لبسهما مقطوعين مع وجود النعلين أو لبس شمشكين مع وجود النعلين، فهل عليه الفدية أم لا؟ على وجهين: أحدهما: يجوز؛ لأنه إنما أمر بقطعهما عند عدم النعلين، ليصير في معنى النعلين، فلا يترفه بالمسح عليهما، وهذا المعنى موجود فيهما مع النعلين وعدمهما.
والوجه الثاني: وهو الصحيح - وقد نص عليه الشافعي في الأم: - أنه لا يجوز أن يلبسهما مقطوعين، إلا عند عدم النعلين، فأما مع وجودهما فلا، وعليه الفدية إن لبسهما؛ لأن رسول الله ﷺ أباح لبسهما مقطوعين، بشرط أن يكون عادماً للنعلين، فإذا لم يوجد الشرط لم توجد الإباحة».
ثم قال:«فأما السراويل فلا يجوز لبسه مع وجود الإزار، فإن لبست مع وجود الإزار افتدى، وإن عدم الإزار جاز أن يلبس السراويل، ولا فدية عليه.
وقال مالك: لا يجوز أن يلبس السراويل؛ لا مع وجود الإزار، ولا مع عدمه، فإن لبسه افتدى.
وقال أبو حنيفة: يجوز أن يلبس السراويل مع عدم الإزار، وعليه الفدية مع إباحته عنده، استدلالاً بأن ما لزمته الفدية بلبسه غير معذور؛ لزمته الفدية بلبسه وإن كان معذوراً، كالقميص، ولأن من لزمته الفدية بلبس القميص لزمته الفدية بلبس السراويل، كغير المعذور؛ لأن أصول الحج موضوعة على التسوية بين المعذور وغير المعذور، فما يوجب الفدية، كالحلق، وقتل الصيد، كذلك هنا.
والدلالة على صحة ما ذكرنا: رواية أبي الشعثاء جابر بن زيد عن ابن عباس، قال: سمعت رسول الله ﷺ يخطب وهو يقول: «من لم يجد إزاراً فليلبس سراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين». فنص الخبر دليل على مالك في جواز لبسه، وفيه دليلان على أبي حنيفة في سقوط الفدية في لبسه.
أحدهما: أنه جعل السراويل مع عدم الإزار، في حكم المباحات من الملبوسات التي أضرب عن النهي عنها، ولم يوجب الفدية في لبسها.
والثاني: أنه جعله بدلاً من الإزار عند عدمه، فوجب أن يكون في حكم مبدله، ولأنه