للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فهذا هو القول الذي يوجبه النظر في هذا الباب عندنا، والله نسأله التوفيق. وفي حديث ابن عمر الذي قد رويناه في هذا الباب أن قول رسول الله : «ولا الخفان إلا أن يكون أحد ليست له نعلان، فليلبس خفين أسفل من الكعبين»، كان ذلك منه قبل دخوله في الحج؛ لأن فيه أن رجلاً قال: يا رسول الله ما نلبس من الثياب إذا أحرمنا؟».

وقال في الأحكام (٢/٤١): «كان من الحجة عليهم للآخرين في ذلك أن رسول الله قد أباح للمحرم في هذا الحديث لباس الخفين، ولم يبين لنا أي خفين هما، وقد بين ذلك ابن عمر في حديثه … ، وأنهما الخفان اللذان أسفل من الكعبين، فكان ذلك زيادة على ما في حديث ابن عباس، وتبيان الخفين المرادين فيه أي الخفان هما؟ وأما ما في حديث ابن عباس الذي ذكرناه من لبس السراويل لمن لم يجد الإزار، فقد يجوز أن يكون أراد بذلك أن يلبس السراويل مؤتزراً به، غير داخل فيه، على غير ما يلبس عليه السراويلات، كما يلبس الخفين اللذين لا يبلغان الكعبين بخلاف ما يلبس الخفان التي قد نهاه عن لبسهما في الإحرام. فإن قال قائل: فإن السراويل إذا شق لم يكن سراويل، قيل له: وكذلك الخفان إذا قطعا أسفل من الكعبين لم يكونا خفين، وإذا كان الذي أباح له النبي من لباس الخفين في الحديث الزائد، وهو بعد أن يكونا خارجين عن حكم الخفاف المنهي عن لبسهما في الإحرام، كان ذلك دليلاً على أن ما أباحه من لباس السراويلات إنما هو بعد أن يخرج من حكم السراويلات المنهي عن لباسها في الإحرام، وذلك عندنا - والله أعلم - بعد أن يكون ساتراً للعورة غير مقتصر عن ذلك، وكان القياس يشهد لأهل هذا القول أيضاً، وذلك أنا رأينا الإحرام يمنع من لبس الخفاف ومن لبس السراويلات في غير حال الضرورات للمحرم، ثم أبيح له لبسها في حال الضرورات، وقد رأينا أشياء منع منها المحرم كحلق الرأس وما أشبهه، وكان من اضطر إلى حلق رأسه لمرض أو ضرورة حل له حلقه، ووجبت عليه الكفارة التي ذكرها الله ﷿ في كتابه بقوله: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهُدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] وذكرها على لسان رسوله لما أمر كعب بن عجرة في التكفير عن حلق رأسه لما رأى به من الضرورة إلى ذلك والحاجة إليه، … فكان حلق الرأس وإن أباحته له الضرورة، لا يمنع أن تكون عليه فيه كفارة، كما كانت تكون عليه في حلقه قبل الضرورة فعقلنا بذلك أن الضرورات في الإحرام وإن أباحت ما كان محظوراً قبلها، فإنما تسقط بها الآثام عن الذين تجب لهم الإباحات، ولا تسقط عنهم الحرم التي كانت عليهم في ذلك قبل حدوث الضرورات بهم، فكان مثل ذلك لباس الخفاف المجاوزات للكعاب ولباس السراويلات لما كانا محظورين على المحرمين قبل الضرورات، ثم حدثت بهم الضرورات إليها ألا تكون الحرمة فيهما مرتفعة عن المحرمين المضطرين إليهما، وأن يكون ما أبيح لهم من استعمالها فللضرورات إليهما، لا بسقوط حرمتهما، وثبت بذلك أنه إذا استعمل منهما ما هو محرم في حال الضرورة كما كان قبل

<<  <  ج: ص:  >  >>