إباحته تسقط الكفارة، بل الكفارة في ذلك كله واجبة في حال الضرورة كهي في غير حال الضرورة. وكذلك لبس القميص الذي حرم عليه في غير حال الضرورة.
فإذا كانت الضرورة فأبيح ذلك له لم يسقط بذلك الضمان، فكانت الكفارة عليه واجبة في ذلك كله، فلم يكن الضرورة في شيء مما ذكرنا تسقط كفارة كانت تجب في شيء في غير حال الضرورة وإنما تسقط الآثام خاصة.
فكذلك الضرورات في لبس الخفاف والسراويلات لا توجب سقوط الكفارات التي كانت تجب لو لم تكن تلك الضرورات، ولكنها ترفع الآثام خاصة.
فهذا هو النظر في هذا الباب أيضاً، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، رحمهم الله تعالى».
وقال في شرح المشكل (١٤/ ٥٢): «ففي هذه الآثار أن من لم يجد نعلين من المحرمين من الرجال كان له أن يلبس الخفين بعد أن يقطعهما أسفل من الكعبين. فقال قائل: هذه معان متضادة، قد رويتم كل معنى منها بالآثار التي رويتموه بها، فهل تجدون وجهاً تحملونها عليه حتى ينتفي عنها هذا التضاد؟ فكان جوابنا له في ذلك: أن الوجه الذي وجدناه يصح عليه، وهو أولى الوجوه بها عندنا - والله أعلم - أن يكون: كان حكم لباس الخفاف في الإحرام للرجال مباحاً عند وجود النعال، وعند عدمها في الإحرام، كما في حديث عبد الرحمن بن عوف الذي بدأنا بذكره في هذا الباب ثم نسخ ذلك، فمنعوا من لبسها في حال وجود النعال، وأبيح لهم لبسها في حال عدم النعال على ما في حديثي ابن عباس وجابر اللذين ثنينا بذكرهما في هذا الباب، ثم نسخ ذلك، فأبيح لبسهما في الإحرام في حال عدم النعال بعد أن تقطع أسفل من الكعبين على ما في حديث ابن عمر الذي ثلثنا بروايته في هذا الباب. وهذا باب من الفقه قد اختلف أهله فيه بعد إجماعهم على نسخ ما في حديث عبد الرحمن الذي بدأنا بذكره في هذا الباب. فقالت طائفة منهم بما في حديثي ابن عباس وجابر اللذين ثنينا بذكرهما. وممن قال ذلك منهم: الشافعي، وقد رواه بعض الناس عن الثوري. وقالت طائفة منهم بما في حديث ابن عمر الذي ثلثنا بذكره في هذا الباب، وممن قال ذلك منهم: أبو حنيفة ومالك بن أنس، وأصحابهما، وكان وجه ذلك في النظر: أنهم لما وجدوا لباس الخفاف لواجدي النعال في الإحرام ممنوعاً منه، نظر كيف حكمه عند عدم النعال، فوجدت الأشياء الممنوع منها في الإحرام في غير أحوال الضرورات، منها: لباس القميص وحلق الشعر، وكان من اضطر إلى ذلك، فحلق شعره من أذى، أو لبس قميصه من أذى، لم تُسقط الضرورة عنه الكفارة التي كانت تكون عليه لو كانت منه تلك الأشياء في غير حال الضرورة، فعقلوا بذلك: أن الضرورات التي توجب الإباحات للأشياء المحظورات في غير حال الضرورات إنما ترفع الآثام لا ما سواها، فكان مثل ذلك أيضاً: الضرورة إلى لباس الخفاف إذا عدمت النعال، وأبيح بذلك لبسها في الإحرام أن ترفع الآثام، ولا ترفع الكفارات الواجبات فيها في غير حال الضرورات.