على الضرورة فنحن نقول بذلك، ونبيح له لبسه للضرورة التي هي به، ولكنا نوجب عليه مع ذلك الكفارة، وليس فيما رويتموه نفي لوجوب الكفارة، ولا فيه ولا في قولنا خلاف لشيء من ذلك؛ لأنا لم نقل: لا يلبس الخفين إذا لم يجد نعلين، ولا السراويل إذا لم يجد إزاراً، ولو قلنا ذلك كنا مخالفين لهذا الحديث، ولكنا قد أبحنا له اللباس كما أباح له النبي ﷺ، ثم أوجبنا عليه مع ذلك الكفارة بالدلائل القائمة الموجبة لذلك.
وقد يحتمل أيضاً قوله ﷺ: «من لم يجد نعلين فليلبس خفين»؛ على أن يقطعهما من
تحت الكعبين فيلبسهما كما يلبس النعلين.
وقوله: «من لم يجد إزاراً فيلبس سراويلاً» على أن يشق السراويل فيلبسه كما يلبس الإزار.
فإن كان هذا الحديث أريد به هذا المعنى فلسنا نخالف شيئاً من ذلك، ونحن نقول بذلك ونثبته.
وإنما وقع الخلاف بيننا وبينكم في التأويل، لا في نفس الحديث، لأنا قد صرفنا الحديث إلى وجه يحتمله، فاعرفوا موضع خلاف التأويل من موضع خلاف الحديث، فإنهما مختلفان، ولا توجبوا على من خالف تأويلكم خلافاً لذلك الحديث، وقد بين عبد الله بن عمر عن النبي ﷺ بعض ذلك. ثم ساق حديث ابن عمر (٢/ ١٣٥) وقال: «فهذا ابن عمر ﵄ يخبر عن النبي ﷺ بلبس الخفين الذي أباحه للمحرم كيف هو؟ وأنه بخلاف ما يلبس الحلال، ولم يبين ابن عباس ﵄ في حديثه من ذلك شيئاً، فحديث ابن عمر ﵄ أولاهما.
وإذا كان ما أباح للمحرم من لبس الخفين هو بخلاف ما يلبس الحلال، فكذلك ما أباح له من لبس السراويل هو بخلاف ما يلبس الحلال.
فهذا حكم هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار.
وأما النظر على ذلك: فإنا رأيناهم لم يختلفوا فيمن وجد إزاراً أن لبس السراويل له غير مباح؛ لأن الإحرام قد منعه من ذلك.
وكذلك من وجد نعلين فحرام عليه لبس الخفين من غير ضرورة.
فأردنا أن ننظر في لبس ذلك من طريق الضرورة كيف هو؟ وهل يوجب كفارة، أو لا يوجبها؟
فاعتبرنا ذلك فرأينا الإحرام ينهى عن أشياء قد كانت مباحة قبله، منها: لبس القميص والعمائم والخفاف والسراويلات والبرانس.
وكان من اضطر فوجد الحر فغطى رأسه، ووجد البرد فلبس ثيابه؛ أنه قد فعل ما هو مباح له فعله، وعليه الكفارة مع ذلك، وحُرِّم عليه الإحرام أيضاً حلق الرأس إلا من ضرورة، وكان من حلق رأسه من ضرورة؛ فقد فعل ما هو له مباح، والكفارة عليه واجبة.
فكان حلق الرأس للمحرم في غير حال الضرورة، إذا أبيح في حال الضرورة لم يكن