ابن عباس، وكلاهما صادق وحافظ، وليس زيادة أحدهما على الآخر شيئاً لم يؤده الآخر، إما عزب عنه، وإما شك فيه فلم يؤده، وإما سكت عنه، وإما أدى فلم يؤد عنه؛ لبعض هذه المعاني اختلافاً» [وكذا قاله الشافعي في الأم (٣/ ٣٦٨)].
• وقال ابن هانئ في مسائله لأحمد (٨٠٦): «سألته عن المحرم إذا لم يجد النعلين، يلبس الخفين؟
قال: نعم يلبسهما ولا يقطعهما، ثم قال: أذهب إلى حديث ابن عباس.
قلت: فحديث ابن عمر.
قرأت على أبي عبد الله: سفيان عن الزُّهْرِي، عن سالم، عن أبيه: سأل رجل رسول الله ﷺ: ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال: «لا يلبس القميص، ولا البرنس، ولا السراويل، ولا العمامة، ولا ثوب مسه الورس ولا الزعفران، ولا الخفين، إلا لمن لا يجد نعلين، فمن لم يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين».
أليس هذا إسناد جيد؟ قال: حديث ابن عباس أبين.
قرأت على أبي عبد الله: هشيم قال: حدثنا عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، قال: خطب رسول الله ﷺ، فقال:«إذا لم يجد المحرم الإزار فليلبس السراويل، وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين».
قال: هذا أثبت عندي، وذاك أن القطع من الفساد، والله لا يحب الفساد».
قلت: وهنا قدم أحمد حديث ابن عباس في العمل على حديث ابن عمر، وعلله بكونه أبين في بيان المراد، حيث أورده بغير قيد القطع، ولا ذكر فيه الفدية؛ فكأنه مال إلى أن الأمر بالقطع كان أولاً، ثم ترك الأمر به لكونه من الفساد، وكذلك لاقترانه بالأمر بلبس السراويل لمن فقد الإزار من غير قطع أو شق، حيث دل على هذا المعنى، إبقاء على منفعته، ثم إنه تابع في ذلك اثنين من التابعين، أحدهما أعلم أهل مكة بالمناسك في وقته؛ عطاء بن أبي رباح، ثم عكرمة مولى ابن عباس، قلت: ويضاف إليه أيضاً: قول أحد الخلفاء الراشدين به، حيث قال عمر لما سئل عن الخفين للمحرم:«هما نعلا من لا نعلا له»، وفهم عمر في هذا مقدَّم على فهم غيره، فقد جعل النبي ﷺ الرشد في طاعة أبي بكر وعمر، بل علق حصول الرشد بطاعتهما، فقال:«إن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا» [تقدم برقم (٤٤١)]، وقال في عمر خاصة:«لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون، فإن يك في أمتي أحد، فإنه عمر» [صحيح البخاري (٣٤٦٩ و ٣٦٨٩)].
وقال أحمد في رواية مُهنَّا:«ويلبس الخفين ولا يقطعهما؛ حديث ابن عباس لا يقول فيه: يقطعهما. هشيم عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، قال: سمعت رسول الله ﷺ يخطب: «إذا لم يجد المحرم نعلين فليلبس الخفين»، وقد رواه جابر عن النبي ﷺ، أبو الزبير عن جابر، وقد كره القطع: عطاء وعكرمة، فقالوا: القطع فساد» [زاد المسافر (٢/ ٥٢٣/ ١٥٩٦)].