وأما الذي اقتصر على الموقوف فرفعه فقد شذ بذلك وهو ضعيف، وأما الذي ابتدأ في المرفوع بالموقوف فإنه من التصرف في الرواية بالمعنى، وكأنه رأى أشياء متعاطفة فقدم وأخر لجواز ذلك عنده، ومع الذي فصل زيادة علم فهو أولى، أشار إلى ذلك شيخنا في شرح الترمذي».
• قلت: لم يضبط ابن إسحاق هذا الحديث عن نافع، وإن كان قد صرح فيه بسماعه من نافع، ومن دلائل عدم ضبط هذا المتن:
• اختلاف الثقات عليه، حيث رواه إبراهيم بن سعد، ويزيد بن هارون، ويعلى بن عبيد ومن تابعه، كل رواه بلفظ وسياق مختلف.
• فمرة يروي الحديث المرفوع، ثم يتبعه بالزيادة من قول ابن عمر؛ مدرجة، وهذا الوجه أشبه الوجوه وأقربها للصواب، حين حدث به ابن إسحاق، وذلك لأنه ميز المرفوع عن الموقوف في السياق، فلم يسقهما مساقاً واحداً، وسياق الإدراج فيه بين، بخلاف بقية الروايات التي وقع فيها التصريح بالرفع، وقوله في رواية يزيد وسمعته ينهى النساء عن القفاز والنقاب، … إلى آخره؛ يحتمل الرفع، ويحتمل الوقف أيضاً، كأن نافعاً يقول: وسمعت ابن عمر يقول: … ، والله أعلم.
• ومرة يقتصر على الموقوف فيجعله أصلاً ويرفعه؛ ويرويه مثل رواية أبي خالد الأحمر.
• ومرة يقتصر على كلام ابن عمر، فيجعله أصلاً ويرفعه، ويقدم فيه ويؤخر، ثم يأتي فيه بما لم يتابع عليه، وبسياق فقهي عجيب يكسوه سجع وجناس غير معهود في هذا الحديث، بل لا يحتمل مثله أن يصدر عن ابن عمر، فضلاً عن أن ينسب مثله إلى النبي ﷺ، لظهور التكلف فيه والصنعة.
• ولهذا فإن زيادة: ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب؛ من معصفر، أو خزّ، أو حلي، أو قميص؛ لم يتابع عليها ابن إسحاق، فهي زيادة منكرة، تفرد بها إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق، والوهم من ابن إسحاق.
• ومن دلائل عدم ضبطه أيضاً قوله في المتن: … ولا الخفين، إلا أن يضطر مضطر إليهما، فيقطعهما أسفل من الكعبين، وهذا الموضع وقع في رواية مالك بلفظ:«ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين، فليلبس خفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين»، وفي رواية عبيد الله بلفظ:«ولا الخفاف، إلا أحد ليست له نعلان فليلبسهما أسفل من الكعبين»، وفي رواية له:«ولا الخفاف؛ إلا أن يكون الرجل ليست له نعلان، فليقطع الخفين أسفل من الكعبين»، وفي بعض الروايات عن أيوب: ولا الخفين، إلا أن لا يجد النعلين، فليلبس ما هو أسفل من الكعبين، وفي رواية الليث بن سعد بلفظ:«إلا أن يكون أحد ليست له نعلان، فليلبس الخفين، وليقطع أسفل من الكعبين»، وهكذا وقع في رواية البقية ممن روى هذا الحديث عن نافع، فلم يذكر أحد منهم لفظ الاضطرار.