الثانية: هذه المسألة جرت بالجعرانة، مقسَمَ غنائم حنين عام الفتح، في شوال سنة ثمان، وقد قال له النبي ﷺ:«ما كنت صانعاً في حجتك فاصنعه في عمرتك»، فقال: كنتُ أغسل هذا، وأخلع هذا، وهو دليل على أن خلع الثياب ونبذ الطيب كان أصلاً عندهم في الجاهلية للحاج، وكان يستسهلون ذلك في العمرة، فأخبرهم النبي ﷺ أن مجراهما في ذلك واحد.
الثالثة: قوله: وعليه جبة، وفي لفظ آخر: وعليه قميص، وفي آخر: وعليه أخلاق، متعارض بعضه، والصحيح أنه كان عليه جبة، وليست بالقميص، ويمكن أن يكون القميص والجبة أخلاقاً، ولا يصح إلا جبة أو قميص لتعارضهما، والقضية واحدة، والذي عليه الحفاظ والأكثرون الجبة، والمعنى المطلوب من نبذ المخيط يحصل بهما». وقد أطال النفس في البقية.
وكان من كلامه:«السادسة: قوله: اخلع عنك الجبة؛ يعني جردها، وقال الحسن وسعيد بن جبير - على اختلاف عنه - والشعبي والنخعي: يشقه؛ لحديث روى عن جابر ﵁: أن النبي ﷺ فعله حين أعلم أن هديه قد قلّد، وهو حديث ضعيف، لم يصح عن جابر ﵁، ويعارضه الحديث الصحيح: عن عائشة؛ أنها فتلت قلائد هدى رسول الله ﷺ الله فبعث به، ولم يحرم عليه شيء أحله الله له.
السابعة: قال الشافعي: من نسي وأحرم فلبس أو تطيب، لم تكن عليه فدية؛ لأن هذا الأعرابي نسي، فلم يجعل النبي ﷺ عليه فدية، وهذه دعوى ضعيفة، لا تليق بهم لفضلهم وإمامتهم، وقد تقدم من كلامنا: أن المعنى في ذلك جهل الأعرابي، حتى بين له النبي ﷺ الشرع، فثبت من ذلك اليوم؛ لا بنسيان الأعرابي، … ».
وقال ابن تيمية في شرح العمدة (٤/ ٥١٠ - ط عطاءات العلم): «وأيضاً فإنه لو أحرم وعليه قميصه خلعه ولم يشقه، مع أن هذا تظليل لرأسه وتخمير له.
قال في رواية ابن القاسم: إذا أحرم الرجل وعليه قميص أو جبة يخلعهما خلعاً ولا يشقهما، وهؤلاء يقولون: إن خلعهما فقد غطى رأسه فعليه فدية، وعجب من قولهم، وقد أمر النبي ﷺ الأعرابي أن ينزع الجبة، في حديث يعلى بن أمية، ولم يأمره بشقها» [بتصرف].
ثم ساق الحديث، وفتوى عطاء، ثم قال:«فقد جوز النبي ﷺ أن يخلعه من رأسه، وإن كان فيه تظليل لرأسه، لأنه تدعو الحاجة إليه، فعلم أن يسير التظليل لا بأس به.
فإن قيل: فقد روي عن عبد الرحمن بن عطاء، عن نفر من بني سلمة، قالوا: كان رسول الله ﷺ جالساً فشق ثوبه، فقال: «إني واعدت هدياً يُشعر اليوم».
وعن جابر قال: بينما النبي ﷺ جالس مع أصحابه شق قميصه حتى خرج منه، فقيل له، فقال:«واعدتهم يقلدون هديي اليوم، فنسيت». رواهما أحمد. [قلت: هو حديث منكر مضطرب، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (١٧٥٥)، المجلد الرابع والعشرون].