وقال ابن بطال في شرح البخاري (٤/ ٥٢٠): «باب إذا أحرم جاهلاً وعليه قميص: وقال عطاء: إذا تطيب أو لبس جاهلاً أو ناسياً فلا كفارة عليه فيه: يعلى: أتى النبي ﵇ رجل عليه جبة، وبه أثر صفرة، فقال: «انزع الجبة، واصنع في عمرتك ما تصنع في حجك».
هذا الباب: ردُّ على الكوفي والمزني في قولهم: أنه من لبس أو تطيب ناسياً فعليه الفدية على كل حال، وقولهم خلاف لهذا الحديث؛ لأن الرسول ﷺ لم يأمر الرجل بالكفارة عن لباسه وتطيبه قبل علمه بالنهي عن ذلك، وإنما تلزم الكفارة من تعمد فعل ما نهي عنه في إحرامه، ولو لزمه شيء لبينه له ﵇، وأمره به ولم يجز أن يؤخر ذلك …
وفي هذا الحديث: ردُّ على من زعم أن الرجل إذا أحرم وعليه قميص أن له أن يشقه، وقال: لا ينبغي أن ينزعه؛ لأنه إذا فعل ذلك فقد غطى رأسه، وذلك لا يجوز له، فلذلك أمر بشقه، وممن قال هذا: الحسن والشعبي والنخعي وسعيد بن جبير. وجميع فقهاء الأمصار يقولون: من نسي فأحرم وعليه قميص أنه ينزعه ولا يشقه، واحتجوا بأن الرسول ﷺ أمر الرجل بأن ينزع الجبة ولم يأمره بشقها، وهو قول عكرمة وعطاء، وقد ثبت عنه ﵇ أنه نهى عن إضاعة المال والحجة في السنة لا فيما خالفها.
قال الطحاوي: وليس نزع القميص بمنزلة اللباس؛ لأن المحرم لو حمل على رأسه ثياباً أو غيرها لم يكن بذلك بأس، ولم يدخل بذلك فيما نهي عنه من تغطية الرأس بالقلانس وشبهها؛ لأنه غير لابس؛ فكأن النهي إنما وقع من ذلك على ما يلبسه الرأس لا على ما يغطى به، وكذلك الأبدان إنما نهي عن إلباسها القُمُص ولم ينه عن تجليلها بالإزار؛ لأن ذلك ليس بلباس المخيط، ومن نزع قميصه فلاقى ذلك رأسه فليس ذلك بإلباس منه شيئاً، فثبت بهذا أن النهي عن تغطية الرأس في الإحرام المعهود في الإحلال إذا تعمد فعل ما نهي عنه من ذلك قياساً ونظراً».
وقال ابن عبد البر في التمهيد (٢/ ٢٥٤): «أما قوله في حديث مالك: أن أعرابياً جاء إلى رسول الله ﷺ وهو بحنين، فالمراد منصرفه من غزوة حنين، والموضع الذي لقي فيه الأعرابي رسول الله ﷺ هو الجعرانة، وهو بطريق حنين بقرب ذلك معروف، وفيه قسم رسول الله ﷺ غنائم حنين، والآثار المذكورة كلها تدلك على ما ذكرناه، ولا تنازع في ذلك إن شاء الله، وأما قوله: وعلى الأعرابي قميص؛ فالقميص المذكور في حديث مالك هو الجبة المذكورة في حديث غيره، ولا خلاف بين العلماء أن المخيط كله من الثياب، لا يجوز لباسه للمحرم لنهي رسول الله ﷺ المحرم عن لباس القمص والسراويلات، وسيأتي ذكر هذا المعنى في حديث نافع إن شاء الله» وقال نحوه في الاستذكار [(٤/٢٩)].
وقال ابن عبد البر في التمهيد (٢/ ٢٦٤): «وقال جمهور فقهاء الأمصار: ليس على من نسي فأحرم وعليه قميصه أن يخرقه ولا يشقه وممن قال ذلك: مالك وأصحابه، والشافعي ومن سلك سبيله، وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والثوري، وسائر فقهاء