فلما كان ما وقع عليه النهي من هذا في الرأس إنما هو الإلباس لا التغطية التي ليست بإلباس، وكان إذا نزع قميصه فلاقى ذلك رأسه فليس ذلك بإلباس منه لرأسه شيئاً، إنما ذلك تغطية منه لرأسه، وقد ثبت بما ذكرنا أن النهي عن لبس القلانس لم يقع على تغطية الرأس وإنما وقع على إلباس الرأس في حال الإحرام ما يلبس في حال الإحلال.
فلما خرج بذلك ما أصاب الرأس من القميص المنزوع من حال تغطية الرأس المنهى عنها؛ ثبت أنه لا بأس بذلك قياساً ونظراً على ما ذكرنا. وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى وقد اختلف المتقدمون في ذلك، ثم ذكر ما روي عن إبراهيم النخعي، والشعبي، وسعيد بن جبير، وقتادة في قولهم بالشق والخرق ونحو ذلك، ومن خالفهم، مثل عكرمة وعطاء، ثم قال: فهذا عطاء وعكرمة قد خالف إبراهيم والشعبي وسعيد بن جبير، وذهبا إلى ما ذهبنا إليه من حديث يعلى».
وقال الخطابي في المعالم (٢/ ١٧٥): «قلت: فيه من الفقه: أن من أحرم وعليه ثياب مخيطة من قميص وجبة ونحوهما لم يكن عليه تمزيقه، وإنه إذا نزعه من رأسه لم يلزمه دم.
وقد روي عن إبراهيم النخعي؛ أنه قال: يشقه. وعن الشعبي قال: يمزق [لعلها: يخرق] ثيابه.
قلت: وهذا خلاف السنة؛ لأن النبي ﷺ أمره بخلع الجبة، وخلعها الرجل من رأسه، فلم يوجب عليه غرامة، وقد نهى رسول الله ﷺ عن إضاعة المال. وتمزيق الثوب تضييع له؛ فهو غير جائز، وقد يتوهم من لا يمعن النظر أن أمره إياه بغسل أثر الخلوق والصفرة إنما كان من أجل أن المحرم لا يجوز له أن يتطيب قبل الإحرام بما يبقى أثره بعد الإحرام، وليس هذا من أجل ذلك، ولكن من قِبَل أن التضمخ بالزعفران حرام على الرجل في حُرمه وحله.
وفي الحديث دليل: أن المحرم إذا لبس ناسياً فلا شيء عليه؛ لأن الناسي في معنى الجاهل، وذلك أن هذا الرجل كان حديث العهد بالإسلام، جاهلاً بأحكامه، فعذره النبي ﷺ فلم يلزمه غرامة».
وقال في أعلام الحديث (٢/ ٨٤١): «وفي قوله: وانزع الجبة، بيان أنه لا يلبس الثياب المخيطة، وإذا نزعها من رأسه لم يلزمه دم لذلك، ولا جبران.
وقوله: واصنع في عمرتك ما تصنع في حجك؛ يريد: اجتناب النساء، والصيد، والطيب، واللباس، كما يجتنبها الحاج، فإن عمل العمرة هو عمل الحج، خلا أنه لا يجب عليه الوقوف بعرفة مع توابعه.
وفي الحديث أيضاً: دليل على أن الناسي لإحرامه إذا لبس الثياب المخيطة لم يكن عليه شيء، إذ هو بعلة الجاهل، لأن هذا الرجل كان حديث العهد بالإسلام، جاهلاً لأحكامه، فعذره النبي ﷺ، ولم يلزمه دماً».