للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

عرفة، خلافاً لأبي حنيفة والشافعي في قولهما: أنها تقطع عند رمي جمرة العقبة؛ لأن ما قلناه إجماع الصحابة، وروي عن الخلفاء الأربعة وابن عمر وعائشة أجمعين، وذكر مالك أنه إجماع أهل المدينة، ولأن التلبية إجابة للنداء بالحج الذي دعي إليه، فهذا انتهى إليه، فقد أتى بما لزمه؛ فلا معنى لاستدامتها فيما زاد». كذا قال.

وقال القنازعي في تفسير موطأ مالك (٢/ ٦١٤): «استحب مالك للحاج أن يقطعوا التلبية يوم عرفة عند زوال الشمس إذا توجهوا إلى موقف عرفة.

قال أبو محمد [يعني: شيخه عبد الله بن محمد بن عثمان القرطبي]: وإلى موقف عرفة ينتهي غاية الملبي، إذ منها دعى إبراهيم له الناس إلى الحج، ومن التزم التلبية بعد انصرافه من موقف عرفة إلى أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر فلا معنى له، إذ من شأن الملبي أن يجيب من دعاه حتى ينتهي إليه، فإذا انصرف عنه لم يكن لتلبيته إياه معنى.

قلت له: فما تقول في حديث وكيع، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، عن أخيه الفضل بن عباس: أن النبي لبى حتى رمى جمرة العقبة.

فقال لي أبو محمد: هو حديث صحيح من جهة النقل والعمل في قطع التلبية على قول علي بن أبي طالب وعائشة الذي ذكره مالك عنهما في موطئه، وقد أنكر بعض الصحابة على ابن مسعود تلبيته بعد انصرافه من عرفة، وقال: من هذا الأعرابي الجافي؟ إنكاراً منه لتلبيته حينئذ، وإذ لم يصحب الحديث عمل بعد رسول الله ».

قلت: أما توجيه قول مالك بالآراء لإسقاط السنن فغير مقبول بحال، وقد قال النبي في حجته: ﴿لتأخذوا عني مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج حجة أخرى﴾، فدل على أن الله ﷿ لم يقم أحداً من الخلق مقامه لله في بيان السنة التي على الحاج الأخذ بها، وقد ثبت عن النبي أنه لزم التلبية حتى رمى جمرة العقبة، نقل ذلك عنه: الفضل بن العباس، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، وأسامة بن زيد.

ثم إنه لم يثبت عن علي بن أبي طالب أنه قطع التلبية إذا زاغت الشمس يوم عرفة، بل الثابت عنه أنه لبى حتى رمى جمرة العقبة، وروى ذلك عن النبي.

وقد عمل بذلك بعد النبي : عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، وابن عباس، وعبد الله بن الزبير، والحسين بن علي بن أبي طالب، وميمونة أم المؤمنين، وهم أكثر عدداً ممن قطع التلبية من الصحابة قبل هذا الموطن، مثل: ابن عمر، وعائشة.

فكيف يقال بعد ذلك: لم يصحب الحديث عمل بعد رسول الله ؟! فأي عمل أكثر من هذا، حيث عمل بهذه السنة اثنان من الخلفاء الراشدين: عمر وعلي، وتابعهم ابن مسعود، وابن عباس، وابن الزبير، والحسين بن علي، وميمونة.

ثم إن الذي أنكر على ابن مسعود تلبيته لم يكن صحابياً؛ إذ لا يقال لصحابي بأنه من غوغاء الناس:

<<  <  ج: ص:  >  >>