عمر، فدلَّ ذلك على أنه لا بأس باستعمال التكبير وسائر الأشياء التي فيها تعظيم الله ﷿، بعد التلبية التي لبى بها رسول الله ﷺ، وجرت عليها عادة المسلمين في الدخول في حجهم، وهذا ابن مسعود فقد روي عنه في التلبية أيضاً بعد وقوفه على تلبية رسول الله ﷺ التي رويناها عنه في هذا الباب».
وقال في أحكام القرآن (٢/ ١٨٤): «فهذا علي بن أبي طالب ﵁، والفضل بن عباس، وأسامة بن زيد، وعبد الله بن مسعود ﵃؛ قد شهدوا جميعاً على رسول الله ﷺ؛ أنه لبى في حجته حتى رمى جمرة العقبة، وكيف يجوز لأحد أن يخالف هذا إلى غيره؟».
وقال الخطابي في المعالم (٢/ ١٧٤): «ذهب عامة أهل العلم في هذا إلى حديث الفضل بن عباس دون حديث ابن عمر. وقالوا: لا يزال يلبي حتى يرمي جمرة العقبة؛ إلا أنهم اختلفوا، فقال بعضهم: يقطعها مع أول حصاة، وهو قول سفيان الثوري، وأصحاب الرأي، وكذلك قال الشافعي.
وقال أحمد واسحاق: يلبي حتى يرمي الجمرة ثم يقطعها.
وقال مالك: يلبي حتى تزول الشمس يوم عرفة فإذا راح إلى المسجد قطعها
وقال الحسن: يلبي حتى يصلي الغداة من يوم عرفة، فإذا صلى الغداة أمسك عنها.
وكره مالك التلبية لغير المحرم ولم يكرهها غيره».
وقال القاضي عبد الوهاب المالكي في شرح الرسالة (٢/ ١١٢): «فإذا دخل مكة أمسك عن التلبية حتى يطوف ويسعي، ثم يعاودها حتى تزول الشمس من يوم عرفة ويروح إلى مصلاها»، إلى أن قال: فأما استحبابه الكف عن التلبية في الطواف والسعي فإن ذلك حال يستحب فيها الدعاء؛ فيكره الاشتغال بغيره. ولأن الطواف أيضاً مشبه بالصلاة.
وقد روى عن ابن عمر أنه كان لا يلبى في طواف. وقال سفيان: ما علمت أن أحداً لبي في طواف إلا عطاء بن السائب.
فأما قوله: أنه يقطع التلبية إذا راح إلى الموقف وزالت الشمس؛ فالخلاف فيه مع أبي حنيفة والشافعي ﵄؛ لأنهما يقولان: إنها لا تقطع حتى يرمى أول حصاة من جمرة العقبة يوم النحر.
واستدل عنها: بما روى الفضل بن عباس: أن رسول الله ﷺ لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة. وما روى عن عمر ﵁ أنه لبى وهو عند الجمرة، فقال له ابن عباس: فيم الإهلال يا أمير المؤمنين؟ فقال: وهل قضينا نسكنا بعد. وروي عن علي ﵁ أنه كان إذا رمي الجمرة قطع التلبية.
ولأن التلبية لأجل الإحرام، فلما كان ابتداؤها حين الابتداء به، وجب أن يكون قطعها إذا ابتدأ بالخروج منه، ثم استدل للمالكية بما روي عن بعض الصحابة، وببعض المقاطيع والمراسيل التي لا تثبت ولا يُعارض بمثله الثابت المرفوع.
وقال القاضي في المعونة (١/ ٥٢٤): «ويستحب قطع التلبية بعد الزوال من يوم