وقال ابن المنذر في الإشراف (٣/ ٣٢٢): «ثبت أن الفضل بن عباس قال: ردفت رسول الله ﷺ غداة جمع، فم أزل أسمعه يلبي حتى رمي الجمرة.
وقد اختلف أهل العلم في الوقت الذي يقطع فيه الحاج التلبية، فكان ابن عمر: إذا قدم حاجاً أو اعتمر فرأى الحرم ترك التلبية حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم يعود فيها.
وفيه قول ثان: وهو أن الحاج يقطع التلبية إذا راح إلى الموقف. روينا هذا القول عن سعد بن أبي وقاص، وعائشة أم المؤمنين. وروينا عن علي بن أبي طالب، وأم سلمة، أنهما كانا يلبيان حتى تزول الشمس من يوم عرفة.
وكان مالك: يرى قطع التلبية إذا راح إلى المسجد.
وفيه قول ثالث: قاله الحسن البصري، قال: يلبى حتى يصلي الغداة يوم عرفة فإذا صلى الغداة فأمسك عنها.
وفيه قول رابع: وهو أن يلبى حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر، إلا أن بعضهم قال: يقطعها مع أول حصاة يرمي بها.
وقال آخرون: حتى يرمي الجمرة، هذا قول ابن مسعود وابن عباس، وميمونة، وبه قال عطاء، وطاووس، وسعيد بن جبير، والنخعي، والشافعي، والثوري، وأحمد بن حنبل، وأصحاب الرأي».
وقال الطحاوي في شرح المعاني (٢/ ٢٢٣): «فذهب قوم إلى أن الحاج لا يلبي بعرفة، واختلفوا في قطعه للتلبية متى ينبغي أن يكون؟ فقال قوم: حين يتوجه إلى عرفات، وقال قوم: حين يقف بعرفات، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار.
وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: بل يلبي الحاج حتى يرمي جمرة العقبة، وقالوا: لا حجة لكم في هذه الآثار التي احتججتم بها علينا، لأن المذكور فيها أن بعضهم كان يكبر، وبعضهم كان يهل؛ لا يمنع أن يكونوا فعلوا ذلك ولهم أن يلبوا، فإن الحاج فيما قبل يوم عرفة، له أن يكبر، وله أن يهلّل، وله أن يلبي فلم يكن تكبيره وتهليله، يمنعانه من التلبية.
فكذلك ما ذكرتموه من تهليل رسول الله ﷺ وتكبيره يوم عرفة، لا يمنع ذلك من التلبية.
وقد جاءت عن رسول الله ﷺ آثار متواترة، بتلبيته بعد عرفة إلى أن رمى جمرة العقبة».
وقال في أحكام القرآن (٢/٢٥) بعد حديث ابن عمر في الباب: ففي هذا الحديث: أن منهم من قد كان يكبر في موضع لا بأس بالتلبية فيه، لأنه لو لم يكن موضعاً لا بأس بالتلبية فيه، لا يكره على من لبى فيه ويمنع من ذلك، ففي إطلاق ذلك لهم دليل أن ذلك الموضع موضع تلبية، وقد كبر بعضهم فيه مكان التلبية، ووافقهم على ذلك عبد الله بن