قال ابن حجر في الفتح (٣/ ٤٠٨): «وأخرج أيضاً بإسناد صحيح، من طريق: المطلب بن عبد الله، قال: كان أصحاب رسول الله ﷺ يرفعون أصواتهم بالتلبية حتى تبح أصواتهم».
قلت: لا يصح إسناده، حيث تفرد به عن ابن حنطب: كثير بن زيد الأسلمي، ابن مافنة: متكلم فيه، ليس ممن يحتج به إذا انفرد، نعم هو في الأصل صدوق؛ لكن فيه لين، وليس هو بذاك القوي، وله أحاديث منكرة، ولعل من لم ير به بأساً إنما نظر إلى ما استقام من حديثه وتابع فيه الثقات، كما أنه قد أعرض عنه الشيخان؛ فلم يخرجا له في الصحيحين، ولا شيئاً مما توبع عليه [انظر: التهذيب (١١/ ١١٣)(٣/ ٤٥٨ - ط دار البر). سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني (٩٧). الميزان (٣/ ٤٠٤)]، وقد وجدته كثيراً ما يخالف الثقات، ويضطرب في الأسانيد [انظر: فضل الرحيم الودود (٥/ ٤٧٧/ ٤٨٩) و (٦/ ٨٠١) و (١٠/ ٤١٨/ ٩٨٧) و (١٥/ ٤٣٣/ ١٣٦٧) و (١٨/ ٤٨٦/ ١٥٢٨) و (٢٠/٢٢/١٦٦٧)]، وقد حسنت له في مواضع مما تابع فيه الثقات [فضل الرحيم الودود (٥/ ٤١٦/ ٤٧٢) و (٦/ ١٠٢/ ٥١٦) و (٦/ ٣٥٠/ ٥٥٩)].
هـ فإن قال قائل: كثير بن زيد: لا بأس به، وقد تفرد بهذا الأثر عن ابن حنطب، ولا يشدد في الآثار؛ كمثل ما يشدد في الأحاديث المرفوعة، ولم يخالفه أحد من الثقات؛ فما المانع من قبول حديثه؟
فيقال: إنه إذا شارك الثقات في أحاديثهم كانت مخالفته لهم أكثر من موافقته، فلما كثر ذلك منه، مع اضطرابه في الأسانيد وعدم ضبطه لها: كل هذه دلائل على قلة ضبطه وسوء حفظه، فيقال فيه: لين الحديث، ليس بالقوي، فكيف يوثق به بعد ذلك إذا انفرد عن الثقات بحديث لم يتابعه فيه أحد؛ أليس من البدهي أن يقع في الوهم وهو لا يشعر، فمن أدرانا أنه ضبط؟
ثم إن ابن حنطب: عامة روايته عن الصحابة مرسلة، قال ابن أبي حاتم في المراسيل (٧٨٠): «سمعت أبي وذكر المطلب بن عبد الله بن حنطب، فقال: عامة روايته مرسل، روى عن عبادة مرسلاً؛ لم يدركه، وعن أبي هريرة مرسلاً».
وأقصى ما يقال في مثل هذا الأثر: أنه مروي بإسناد لا بأس به المتابعات، وقد روي
نحوه من وجه آخر لا بأس به.
٧ - عن أبي حازم سلمة بن دينار:
• رواه سعيد بن منصور [ثقة ثبت]: حدثنا هشيم [هشيم بن بشير: ثقة ثبت]: أنا الفضل بن عطية [لا بأس به]: حدثنا أبو حازم [سلمة بن دينار: مدني، تابعي، ثقة]، قال: كان أصحاب رسول الله ﷺ إذا أحرموا لم يبلغوا الروحاء حتى تُبح أصواتهم.
أخرجه ابن حزم في المحلى (٥/ ٨٢).
قال البيهقي في المعرفة (٧/ ١٣٢): «ومشهور عن أبي حازم؛ أنه قال: كان أصحاب رسول الله ﷺ لا يبلغون الروحاء حتى تبح حلوقهم من التلبية».