وقال القاضي ابن العربي في العارضة (٤/٤٥): «هذا الحديث - وإن لم يكن صحيح السند - فإنه ممكن يشهد له الحديث الصحيح في المؤذن، وفي هذا تفضيل لهذه الأمة لحرمة نبيه، فإن الله أعطاها تسبيح الجماد والحيوانات معها كما كانت تسبح مع داود وخص بالمنزلة العليا أنه كان يسمعها ويدعو بها [قلت: وفي السياق تحريف ظاهر]. وقال ابن حجر: «هذا حديث صحيح».
قلت: قد صححه ابن خزيمة، والحاكم، ورجاله رجال الشيخين، عدا عمارة بن غزية المدني؛ فمن رجال مسلم، وعلق له البخاري، قال عنه أحمد وأبو زرعة وابن سعد والعجلي والدارقطني:«ثقة»، وقال أحمد مرة:«ما أعلم إلا خيراً»، وقال ابن معين:«ليس به بأس»، وفي رواية:«صالح»، وقال أبو حاتم:«ما بحديثه بأس، كان صدوقاً»، وقال النسائي:«ليس به بأس»، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في المشاهير:«من حفاظ أهل المدينة، كان يخطيء»، وأورده العقيلي في الضعفاء فلم يحسن، وشذ ابن حزم فقال:«ضعيف»، فهو: لا بأس به، بل ثقة، وله أوهام قليلة لا تمنع من الاحتجاج بحديثه؛ فإن توثيق هؤلاء الأئمة المشهورين بالاعتدال في النقد مثل: أحمد وأبي زرعة، وتوسط المتشددين فيه مثل: أبي حاتم والنسائي، يدل على قلة أوهامه في جملة حديثه المستقيم الذي يتابع فيه الثقات، فلا ينزل حديثه عن رتبة الاحتجاج عند التفرد؛ إلا إذا تبين وهمه، والله أعلم تاريخ ابن معين للدارمي (٥٨٥). من كلام أبي زكريا في الرجال (٣٨٨). العلل ومعرفة الرجال (٣١٠٦ و ٤٤٥٩ و ٤٥٦٧). ضعفاء العقيلي (٣/ ٣١٥). الجرح والتعديل (٦/ ٣٦٨). الثقات (٧/ ٢٦٠). المشاهير (١٠٦٤). سؤالات البرقاني (٣٧٤). علل الدارقطني (١/١٣/ ١٨٧) و (٨/ ١٩٦/ ١٥٠٧). بيان الوهم (٥/ ٥٦٩/ ٢٧٩٣). الميزان (٣/ ١٧٨). تاريخ الإسلام (٨/ ٥٠٢). التهذيب (٣/ ٢١٢) [وانظر في أوهامه: ما تقدم في فضل الرحيم الودود (١٢/ ٢٨٠/ ١١٦٤)، في وهمه في صفة قلب الرداء في الاستسقاء].
فهو حديث صحيح؛ يحتمل تفرد عمارة به عن بلديه أبي حازم المدني، اعتماداً على توثيق الجمهور له؛ حيث لم يظهر لنا وهمه في هذا الحديث، ولم ينكر حديثه هذا إمام ناقد معتبر، والله أعلم.
فإن قيل: فما تقول في رواية إسماعيل بن عياش؟ وهو شامي حمصي، يهم في حديث أهل الحجاز؟
فيقال: نقبل منه ما وافق رواية عبيدة بن حميد ومعاوية بن صالح، ونرد ما زاد عليهما. فما رواه بلفظ:«ما من ملب يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله، من حجر أو شجر أو مدر، حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا»؛ فهو حديث صحيح.
وأما الزيادة التي تفرد بها في آخره: وإن أهل الدرجات العلى ليراهم من أسفل منهم كما يرى الكوكب في السماء»؛ فهي وهم منه.