للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ثم قال (٤/ ١٧): «فأما النيابة في حج التطوع: فلا تجوز من غير وصية، وإن وصى بها فعلى قولين: أحدهما: لا يجوز؛ لأن الأصل في أعمال الأبدان أن النيابة فيها لا تجوز، وإنما جاز في حجة الإسلام، ولأجل الضرورة، وتعذر أداء الفرض، وهذا غير موجود في التطوع.

والقول الثاني: يجوز؛ لأن كلَّ ما صحت النيابة في فرضه صحت النيابة في نفله؛ أصله: الصدقات، وعكسه الصلاة والصيام، فإذا قلنا بجواز النيابة فيه وقع الحج عن المحجوج عنه، واستحق الأجير الأجرة المسماة، وإذا قلنا: إن النيابة فيه غير جائزة، وقع الحج عن الأجير، وهل له الأجرة المسماة أم لا؟ على قولين: أحدهما: لا أجرة له لوقوع الحج عن نفسه فصار كما لو استؤجر وعليه حجة الإسلام لزمه رد الأجرة لوقوع الحج عن نفسه. والقول الثاني: له الأجرة لأنه أتلف عمله بأدائه على وجه العوض، فصار كمن استؤجر لحمولة فحملها، ثم بان أن المستأجر أعطاه حمولة غيره، فالأجرة له مستحقة، وفارق أن لو كان عليه حجة الإسلام من وجهين: أحدهما: أن انتقال الحج إلى نفسه كان من جهته لا من جهة غيره. والثاني: أن عمله في ذلك لم يتلف لأنه قد أسقط بذلك عليه، فبهذين الفرقين اختلفا في رد الأجرة».

وقال في موضع آخر (٤/ ٢٥٧): «النيابة في الحج جائزة، والاستئجار على الحج جائز. وقال أبو حنيفة: لا تصح النيابة في الحج والاستئجار عليه؛ فإن استأجر رجل رجلاً ليحج عنه أو عن ميت وقعت الحجة للحاج، وكان للمحجوج عنه ثواب يعقبه، استدلالاً بأن الحج من عبادات الأبدان، فوجب أن لا تصح النيابة فيه كالصلاة والصيام، ولأنها عبادة يتعين عليه فعلها بالدخول فيها، فوجب أن لا تصح الإجارة عليها ولا النيابة فيها كالجهاد، والدلالة عليه: رواية عطاء عن ابن عباس أن النبي سمع رجلاً يقول: لبيك عن شُبْرمة، فقال: «أحججت عن نفسك؟»، قال: لا، قال: «حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة»، فأذن له في الحج عن شُبْرُمة، فاقتضى أن يكون الحج واقعاً عنه والفرض ساقطاً به، وروي عن الخثعمية؛ أنها قالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستمسك على راحلته، فهل ترى أن أحج عنه؟ فقال: «نعم»، قالت: أينفعه؟ قال: نعم؛ أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيتيه أينفعه؟»، قالت: نعم، قال: «فدين الله أحق أن يقضى»، فجعل قضاء الحج عنه مسقطاً لفرضه، كما أن قضاء الدين عنه مسقطاً لدينه، وقال لأبي رزين: «حج عن أبيك واعتمر»، ولأن كل عمل جاز أن يتطوع به الغير عن الغير جاز أن تصح فيه النيابة، ويصح عليه عقد الإجارة؛ كبناء المساجد وكتب المصاحف؛ فإن قالوا: لا نسلم أنه يجوز أن يتطوع به الغير، قلنا: يعني أنه يضيف الفعل إليه، فيقول: لبيك عن فلان، ليحصل له ثواب النفقة، ولأنه من فروض الأعيان يجب بوجود المال فوجب أن تصح فيه النيابة كالزكاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>