للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقال ابن المنذر في الإقناع (٢٣٨/ ١): «فالحج عن الميت وعن الزمن الذي لا يستطيع الثبوت على الراحلة: جائز، حجة الإسلام، وحجة النذر؛ إذ هي في معنى حجة الإسلام، إذ كل واحد منها واجب، ولا يجوز حج التطوع عن الميت، ويدل على أن حجة الإسلام من رأس المال لما شبهها بديون الآدميين، ويدل على أن إباحة حج المرأة عن الرجل، والأجرة عن الحج جائزة، كما يجوز على سائر الأعمال، وأحب أن يحج المرء عن نفسه، ثم يحج عن غيره، فإن حج عن غيره أجزأ ذلك عن حجه، وعليه حجة الإسلام، ولا يجوز الحج إلا بنية، لدخوله في جملة قول رسول الله : «إنما الأعمال بالنية». ولا يثبت خبر شبرمة.

وفرض الحج ساقط: عمن لم يبلغ، وعن المعتوه حتى يفيق، وعن العبد حتى يعتق، فإن حج صبي قبل أن يبلغ، أو حج عبد قبل أن يعتق؛ فعليهما حجة الإسلام إذا بلغ الصبي أو أعتق العبد، وإذا أحرم الصبي الذي لم يبلغ والعبد، ثم بلغ الصبي وأعتق العبد قبل عرفة؛ لم يجزهما عن حجة الإسلام».

وقال الماوردي في الحاوي الكبير (٤/ ١٦): «فإذا استقر فرض الحج في ذمته، ومات قبل أدائه لم يسقط عنه بموته، ووجب أن يقضى عنه من رأس ماله، وصى به أم لا، وكذلك الدين فإن لم يكن له مال كان الوارث بالخيار إن شاء قضاه عنه، وإن شاء لم يقضه، وقال مالك وأبو حنيفة: قد سقط الفرض بموته وصى به أم لا، فإن وصى به بعد موته كان تطوعاً في ثلاثة، لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧]، والميت غير مكلف بفرض ولا مستطيع لحج، قالوا: ولأنها عبادة على البدن فوجب أن يسقط بالموت كالصلاة، قالوا: ولأنها عبادة تعلقت بقطع مسافة فوجب أن تسقط بالموت كالجهاد، وهذا خطأ، ودليلنا: حديث الخثعمية، وقول رسول الله : «فدين الله أحق أن يقضى»، فشبه الحج بالدين الذي لا يسقط بالموت، فوجب أن يتساويا في الحكم، وروى عطاء بن أبي رباح عن زيد بن أرقم عن النبي ، أنه قال: «من حج عن والديه ولم يحجا أجزأه عنهما، وبُشِّرت أرواحهما، وكتبت عند الله براً» [قلت: سبق تخريجه، وهو حديث موضوع]، ولأنه حق تدخله النيابة استقر عليه في حال حياته، فوجب أن لا يسقط عنه بالموت كالديون، مع ما روي: أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن أمي ماتت وعليها حج؟ فقال لها: «حجي عنها»، فأمرها بالحج عنها، ولم يسألها أوصت لها أم لا؟ وروي عن النبي أنه قال: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث»، ذكر منها حج يقضى، فأما الآية: فلا دليل فيها لأن التكليف والاستطاعة إنما لزماه في حال حياته، وأما [قياسهم] على الصلاة: فبعيد، لأنها لا تسقط بالموت، إنما تصح النيابة فيهما، فكذلك لم يؤمر بقضائها، وأما قياسهم على الجهاد: فالمعنى فيه أن النيابة لا تصح في حال الحياة، كذلك بعد الوفاة».

<<  <  ج: ص:  >  >>