الثاني: أن أحمد نفسه قد أخرج هذا الحديث في مسنده، ولو كان عنده منكراً؛ لما أخرجه في المسند، أو كان ضرب عليه، كما ضرب على كثير من الحديث الذي لا يرتضيه، كما أنه لم يتبعه بشيء يدل على نكارته.
الثالث: أن هذا النقل انفرد به ابن حزم، وليس له دلائل تدل على صحته وثبوته عن أحمد في الكتب …
بل جاء عن أحمد ما يمكن حمله على هذا التأويل، فقد قال أحمد في رواية حنبل؛ في فسخ الحج:«إن شاء جعل حجه عمرةً، وقدم إلى مكة النبي ﷺ صبيحة رابعة، فجائز له الفسخ لمن أراد سنة النبي ﷺ إذا كان لم يسق الهدي، فإذا ساق الهدي أقام على إحرامه حتى ينحر الهدي» [زاد المسافر (٢/ ٥٤٢/ ١٦٤٣)]، يعني: سواء أكان مفرداً أم قارناً يقيم على إحرامه حتى ينحر؛ طالما أنه ساق الهدي.
الرابع: أن ابن عبد البر ممن يعتني بالنقل عن الأثرم، فلو كان هذا النقل ثابتاً عن الأثرم لما أغفله، بل إنه عقب حديث مالك بقوله في التمهيد (١٣/ ٩٦): «هذا حديث ثابت صحيح».
الخامس: أن ابن قدامة ممن احتج بحديث عروة عن عائشة هذا، ولم ينكره، ولو كان عنده عن الأثرم ثم عن أحمد فيه شيء لما أغفله، … السادس: ليس هناك ما كان يمنع أن يكون في الصحابة من ساق الهدي، وقد أهل بحج مفرد، لاسيما وقد ثبت أن عدداً من الصحابة قد ساق الهدي في حجة الوداع … .
ثم سقت الأحاديث الدالة على ذلك، ثم قلت:
وممن جاء في كلامه ما يدل على هذا المعنى: البيهقي، وابن عبد البر، وابن تيمية.
قال البيهقي في الصغرى (٢/ ١٩٤) بعد حديث الزهري عن عروة عن عائشة: «إنما أرادت: طافوا طوافاً واحداً بين الصفا والمروة، وذلك بين في الحديث الذي ذكرنا، عن أبي الزبير عن جابر، قال: لم يطف النبي ﷺ ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً؛ طوافه الأول. وإنما أراد: الذين أهلوا بالحج أو جمعوا الحج والعمرة، وهم الذين كان معهم الهدي بدليل حديث عائشة».
وقال في المعرفة (٧/ ٢٧١): «وفي حديثها: أنها أفردت من جمع بينهما جمع متعة أولاً بالذكر، فذكرت كيف طافوا في عمرتهم، ثم كيف طافوا في حجتهم، ثم لم يبق إلا المفردون والقارنون، فجمعت بينهم في الذكر، وأخبرت أنهم إنما طافوا طوافاً واحداً، وإنما أرادت بين الصفا والمروة».
وقال ابن عبد البر في التمهيد (٨/ ٢٠٥) عن حديث مالك عن الزهري: «وفي حديثه هذا عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة من الفقه: أن التمتع جائز، وأن الإفراد جائز، وأن القران جائز، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم؛ لأن رسول الله ﷺ رضي كلاً، ولم ينكره في حجته على أحد من أصحابه؛ بل أجازه لهم ورضيه».