وهذا ظاهر في حديث مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة، قالت: وأما الذين أهلوا بالحج أو جمعوا بين الحج والعمرة؛ فإنما طافوا طوافاً واحداً؛ يعني: فيمن ساق الهدي.
ثم سقت كلام ابن تيمية في شرح عمدة الفقه (٤/ ٢٩٧)، السابق ذكره في الحديث الأول، وقال أيضاً في شرح عمدة الفقه (٥/ ٢٠٧ - ط عطاءات العلم): « … ، لأن أصحاب رسول الله ﷺ الذين ساقوا الهدي كان فيهم المفرد والقارن والمتمتع، وقد منع الجميع من النحر والإحلال».
السابع: لا ينبغي للفقيه أن ينزل النصوص على ما استقر عنده من الأحكام، أو على مذهب إمامه، فقد أهدى النبي ﷺ في عمرة الحديبية سبعين بدنة، صح ذلك من حديث جابر بأسانيد، … فذكرتها، ومنها ما رواه الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: نحرنا يوم الحديبية سبعين بدنة، كل بدنة عن سبعة، وكان الناس يومئذ ألفاً وأربعمائة، وأكثرنا لم يذبح. وفي رواية: وأكثرنا لم ينحر. راجع تخريجها تحت الحديث رقم [(١٧٤٩)].
فكما أنهم كانوا معتمرين وأهدوا، لاسيما وقد ساق النبي ﷺ هذا الهدي من المدينة، وقلده بذي الحليفة، فلم يكن هدي إحصار، بل كان هدياً ساقه إلى الكعبة مقترناً بإهلاله بالعمرة، فكذلك لا يمتنع أن يكون من أفرد الحج مع النبي ﷺ قد ساق هدياً؛ ثم لم يؤمر بالفسخ.
وكذلك فقد ثبت أن النبي ﷺ أهدى في حجة الوداع مائة بدنة؛ فإذا ثبت هذا؛ فما الذي يمنع أن بعض الصحابة ساق هدياً وأفرد الحج، ولم يُدخل عليه العمرة؛ لا يوجد ما يمنع من وقوعه؛ فلا يؤمر مثله بأن يفسخ.
الثامن: أن ابن حزم هو الذي أقام الحجة على نفسه بإبطال دعواه في الحكم بالنكارة على هذا الحديث المتفق على صحته؛ حيث قال:«وأسلم الوجوه لحديثي أبي الأسود، وحديث يحيى بن عبد الرحمن؛ أن يخرج على أن المراد بقولها: إن الذين أهلوا بحج، أو حج وعمرة لم يحلوا إلى يوم النحر؛ إنما كانوا ممن كان معه هدي، فأهل بهما جميعاً، أو أضاف العمرة إلى الحج، كما روى مالك عن الزهري عن عائشة عن النبي ﷺ، فتخرج حينئذ هذه الأخبار سالمة».
التاسع: قول ابن القيم، وكذلك قول ابن أبي العز:«حديثان قد أنكرهما الحفاظ»؛ غير دقيق في النقل، حيث نقل ابن حزم عن الأثرم عن أحمد، أنه قال:«هذا خطأ»، ولا يثبت هذا عن أحمد، ثم تجاوز ابن حزم وشطّ في الحكم فقال:«فهذان الحديثان منكران جداً»، وتبعه على ذلك ابن القيم، ثم ابن أبي العز، ولم أقف عند التحقيق على قول من أنكر هذا الحديث ورده، بل قبله عامة النقاد، إلا من عارض بأصل مذهبه، فمن هم الحفاظ الذين أنكروا هذا الحديث؟! والله أعلم.