الإسلام ابن تيمية في عمدة الأحكام (٤/ ٣٦٠ - ط عطاءات العلم): «ولم ير لتحصيل هذا الفضل والكمال لرغبته طريقاً إلا أن ينهاهم عن الاعتمار مع الحج وإن كان جائزاً، فقد ينهى السلطان بعض رعيته عن أشياء من المباحات والمستحبات لتحصيل ما هو أفضل منها من غير أن يصير الحلال حراماً».
ثم إن علي بن أبي طالب لما اعترض على عثمان في الإفراد، ذهب أيضاً إلى هذا المعنى الذي ذكرته عن عمر، وذلك أنه لم ينكر على عثمان نفس العمل وجواز الإفراد، لكنه أنكر الإلزام به، والذي يترتب عليه نسيان السنن المشروعة في الحج، وهي نسك القرآن والتمتع، وراجع ذلك في موضعه.
ثم إن عمر في ذلك كله كان يعلم أن النبي ﷺ قد أمر أصحابه بالفسخ إلى عمرة، وأنه ﷺ قد جمع بين الحج والعمرة في حجته:
ففي حديث ابن عباس: والله إني لأنهاكم عن المتعة، وإنها لفي كتاب الله، ولقد فعلها رسول الله ﷺ. وقال للصبي بن معبد؛ حين جمع بين الحج والعمرة: هديت لسنة نبيك. وفي حديث أبي موسى: قد علمتُ أن النبي ﷺ قد فعله وأصحابه. وأيضاً: فإن عمر، هو الذي قال: سمعت النبي ﷺ بوادي العقيق، يقول:«أتاني الليلة آت من ربي، فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة» [أخرجه البخاري (١٥٣٤ و ٢٣٣٧ و ٧٣٤٣)، وتقدم تخريجه عند أبي داود برقم (١٨٠٠)].
بل إن عمر نفسه ممن كان يتمتع، ويجمع بين العمرة والحج في سفرة واحدة، ففي حديث ابن عباس: سمعت عمر، يقول: لو اعتمرت ثم اعتمرت ثم حججت؛ لتمتعت.
والحاصل: فإن عمر قصد بذلك: إعادة أفهام الصحابة إلى مراد النبي ﷺ مما قاله لهم في حجة الوداع: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة»؛ دخول إباحة؛ لا دخول إلزام وفرض.
وأما دعوى ابن حزم والتي تبعه عليها ابن القيم: أنه قد صح عن عمر الرجوع عن هذا القول؛ فهي دعوى لا دليل عليها، إنما يحفظ القولان عن عمر، يحفظ عنه أنه أفرد وأمر الناس بالإفراد، وعلل ذلك في كلامه، ويحفظ عنه أنه تمتع، لكنا لا نعرف التأريخ في ذلك، ولا بينه من نقل عنه أنه تمتع، والله أعلم.
ثم قال ابن القيم (٢/ ٢٤١): «وأما العذر الثالث، وهو معارضة أحاديث الفسخ بما يدل على خلافها، فذكروا منها: ما رواه مسلم في صحيحه، من حديث الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله ﷺ في حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج، حتى قدمنا مكة، فقال رسول الله ﷺ: من أحرم بعمرة ولم يهد فليحلل، ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى ينحر هديه، ومن أهل بحج فليتم حجه»، وذكر باقي الحديث.
ومنها: ما رواه في صحيحه أيضاً، من حديث: مالك، عن أبي الأسود، عن عروة