ثم قد ثبت النص عن المعصوم بأنها باقية إلى يوم القيامة، وقد قال ببقائها: علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وابن عباس، وأبو موسى، وسعيد بن المسيب، وجمهور التابعين».
قلت: ما ثبت من حديث عمران بن حصين، وعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر: إنما هو في بقاء المتعة، وأنها مشروعة، لا في القول بوجوب الفسخ ولزومه لمن بعد الصحابة، وهذا في غاية الظهور، وإنما يحمل الاختصاص الوارد في حديث أبي ذر على إيجابه على الصحابة دون من بعدهم، فيحمل في حق بقية الأمة على الجواز والاستحباب، وقد سبق بيانه وشرحه.
ثم قال:«ويدل على أن ذلك رأي محض لا ينسب إلى أنه مرفوع إلى النبي ﷺ: أن عمر بن الخطاب ﵁ لما نهى عنها؛ قال له أبو موسى الأشعري: يا أمير المؤمنين ما أحدثت في شأن النسك؟ فقال: إن نأخذ بكتاب ربنا فإن الله يقول: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [١٩٦: البقرة]، وإن نأخذ بسنة رسول الله ﷺ فإن رسول الله ﷺ لم يحل حتى نحر. فهذا اتفاق من أبي موسى وعمر على أن منع الفسخ إلى المتعة أو الإحرام بها ابتداء إنما هو رأي منه أحدثه في النسك، ليس عن رسول الله ﷺ، وإن استدل له بما استدل، وأبو موسى كان يفتي الناس بالفسخ في خلافة أبي بكر كلها، وصدراً من خلافة عمر، حتى فاوض عمر في نهيه عن ذلك، واتفقا على أنه رأي أحدثه عمر في النسك، ثم صح عنه الرجوع عنه».
قلت: أما نهي عمر عن المتعة والفسخ؛ إنما كان لأسباب عدة سبق بيانها، وسوف أنقل من كلامي ما يختص بالرد على هذا الموضع:
حيث قلت هناك: ومن خلال هذا العرض المختصر يمكن معرفة السبب الذي لأجله كان عمر يذهب إلى القول بالإفراد:
ففي حديث جابر وأبي سعيد وابن عمر: ما يدل على أنه كان رأياً رآه، وأن الإفراد أتم للنسك، …
ويبدو لي أن مراد عمر من ذلك أن الله تعالى أباح إدخال العمرة في أشهر الحج، سواء بفعلها مجردة في أشهر الحج، كما اعتمر النبي ﷺ في عمرة القضية والجعرانة، أو بفعلها مقرونة بالحج في القران؛ كما فعل النبي الا الله وأصحابه ومنهم عمر، أو بفعلها مفردة ثم يهل بعدها بالحج متمتعاً؛ كما أمر النبي ﷺ من لم يسق الهدي من أصحابه: كل ذلك مما أباحه الله تعالى لنبيه ﷺ، ثم لأمته من بعده، لكن البعض حول هذه الإباحة إلى فرض وإلزام، وأن كل من دخل مكة حاجاً لزمه الفسخ إلى عمرة، كما قال ابن عباس وأبو موسى، فلما رأى عمر ذلك أراد أن يوقف هذا الرأي عن الانتشار في الناس، بالمنع من العمرة في أشهر الحج؛ لا علي سبيل المعارضة، ولكن على سبيل القصد والاعتدال في أحكام الشريعة، وأن تعود الأمور لنصابها الصحيح، في فهم مراد النبي ﷺ، لذا قال شيخ