للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والفسخ إليه، فلما استقر أمره بالتمتع والفسخ إليه لم يكن لأحد أن يخالفه ويفرد ثم يفسخه.

وإذا تأملت هذين الاحتمالين الأخيرين رأيتهما إما راجحين على الاحتمال الأول، أو مساويين له، فسقط معارضة الأحاديث الثابتة الصريحة به جملة، وبالله التوفيق».

قلت: سبق أن نقلت بعضه، ورجحت الاحتمال الثاني، وهو: اختصاص وجوبه بالصحابة، وأما الجواز والاستحباب فللأمة إلى يوم القيامة، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية، وبه قال أحمد، وهو الصواب إن شاء الله تعالى.

ثم قال: «وأما ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي ذر: أن المتعة في الحج كانت لهم خاصة، فهذا إن أريد به أصل المتعة فهذا لا يقول به أحد من المسلمين، بل المسلمون متفقون على جوازها إلى يوم القيامة، وإن أريد متعة الفسخ احتمل الوجوه الثلاثة المتقدمة.

قال الأثرم في سننه: ذكر لنا أحمد بن حنبل؛ أن عبد الرحمن بن مهدي حدثه، عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر في متعة الحج: كانت لنا خاصة. فقال أحمد بن حنبل: رحم الله أبا ذر، هي في كتاب الله ﷿: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ﴾.

قال المانعون من الفسخ: قول أبي ذر وعثمان: إن ذلك منسوخ أو خاص بالصحابة، لا يقال مثله بالرأي، فمع قائله زيادة علم خفيت على من ادعى بقاءه وعمومه، فإنه مستصحب لحال النص بقاء وعموماً، فهو بمنزلة صاحب اليد في العين المدعاة، ومدعي نسخه أو اختصاصه بمنزلة صاحب البينة الذي يقدم على صاحب اليد.

قال المجوزون للفسخ: هذا قول فاسد لا شك فيه، بل هذا رأي لا شك فيه، وقد صرح بأنه رأي من هو أعظم من عثمان وأبي ذر: عمران بن حصين، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري -: تمتعنا مع رسول الله ونزل القرآن، قال رجل برأيه ما شاء. ولفظ مسلم: نزلت آية المتعة في كتاب الله ﷿، يعني: متعة الحج، وأمر بها رسول الله ، - ثم لم تنزل آية تنسخ متعة الحج، ولم ينه عنها رسول الله حتى مات، قال رجل برأيه ما شاء. وفي لفظ: يريد عمر.

وقال عبد الله بن عمر لمن سأله عنها، وقال له: إن أباك نهى عنها: أفرسول الله أحق أن يتبع أو أبي؟!

وقال ابن عباس لمن كان يعارضه فيها بأبي بكر وعمر: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله ، وتقولون: قال أبو بكر وعمر!

فهذا جواب العلماء، لا جواب من يقول: عثمان وأبو ذر أعلم برسول الله منكم، فهلا قال ابن عباس وعبد الله بن عمر: أبو بكر وعمر أعلم برسول الله منا، ولم يكن أحد من الصحابة ولا من التابعين يرضى بهذا الجواب في دفع نص عن رسول الله ، وهم كانوا أعلم بالله ورسوله وأتقى له من أن يقدموا على قول المعصوم رأي غير المعصوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>