للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

عَلى التَّخصيص بالصَّحابة. قال المُجوِّزون للفَسخ والموجبون له: لا حُجَّة لكم في شيء من ذلك، فإنَّ هذه الآثار بين باطل لا يصح عمَّن نُسب إليه ألبَتَّة، وبين صحيح عن قائل غير معصوم لا تُعارَض به نُصوص المَعصوم، قلت: سَبَق بيان عدم ثُبوت حديث بلال بن الحارث، وحديث عبد الله بن هلال، وأمَّا حديث أبي ذر: فقد تقدَّم بيان اللفظ المحفوظ منه، وتوجيه معناه بما يُغني عن الإعادة، بحيث نجمع بينه وبين أحاديث الباب، وقد تقدَّم نقل كلام ابن القيم فيما يخص تضعيف حديث بلال بن الحارث في موضعه.

ثم قال: «ثم كيف يكون هذا ثابتاً عن رسول الله وابن عباس يُفتي بخلافه، ويُناظر عليه طول عمره بمشهد من الخاص والعام، وأصحاب رسول الله مُتوافرون، ولا يقول له رجل واحد منهم: هذا كان مُختصاً بنا ليس لغيرنا، حتَّى يظهر بعد موت الصحابة أن أبا ذر كان يرى ويروي اختصاص ذلك بهم؟».

قلت: قد بينت خطأ هذا الكلام المُشتمل على التهويل، وأنَّه قد تَكرَّر الإنكار على ابن عباس، وأنَّه لم يُتابع على فتواه، بل إن من الصحابة والخلفاء الراشدين من تعمد إفراد الحج إنكاراً لهذا القول بمجرد الفعل، لبيان صحة حج المُفرد، وأنَّه لا يلزمه الفسخ، حتى كاد عامة الصحابة من المهاجرين والأنصار أن يلتزموا الإفراد في الحج رداً لهذا القول، ولذلك جاء اعتراض علي بن أبي طالب على عثمان، حيث خشي أن ينسى الناس السُّنة في القرآن والتمتع، وقد تقدم بيان ذلك في موضعه.

ثم قال ابن القيم: «وأمَّا قول عثمان في مُتعة الحج: إنها كانت لهم ليست لغيرهم، فحُكمه حُكم قول أبي ذر سواء»، قلت: لا يثبت هذا عن عثمان، إنما هو حديث أبي ذر، وهم الراوي فجعله عن عثمان، وتقدَّم بيانه.

ثم قال ابن القيم: «على أن المروي عن أبي ذر وعثمان يحتمل ثلاثة أمور:

أحدها: اختصاص جواز ذلك بالصحابة، وهو الذي فهمه من حرم الفسخ.

الثاني: اختصاص وجوبه بالصحابة، وهو الذي كان يراه شيخنا قدس الله روحه، يقول: إنهم كانوا فرضاً عليهم الفسخ لأمر رسول الله لهم به، وحتمه عليهم، وغضبه عندما توقفوا في المبادرة إلى امتثاله، وأمَّا الجواز والاستحباب فللأمة إلى يوم القيامة.

لكن أبى ذلك البحر ابن عباس، وجعل الوجوب للأمة إلى يوم القيامة، وأن فرضاً على كل مُفرد وقارن لم يَسُق الهدي أن يحل ولا بد، بل قد حل وإن لم يشأ. وأنا إلى قوله أميل مني إلى قول شيخنا.

الاحتمال الثالث: أنَّه ليس لأحد بعد الصحابة أن يبتدئ حجاً مُفرداً أو قارناً بلا هدي، يحتاج معه إلى الفسخ، لكن فرض عليه أن يفعل ما أمر به النبي أصحابه في آخر الأمر من التمتع لمن لم يَسُق الهدي، والقِران لمن ساق، كما صح عنه ذلك. وأمَّا أن يُحرم بحج مُفرد، ثم يفسخه عند الطواف إلى عُمرة مُفردة، ويجعله مُتعة؛ فليس له ذلك، بل هذا إنما كان للصحابة، فإنهم ابتدؤوا الإحرام بالحج المُفرد قبل أمر النبي بالتمتع

<<  <  ج: ص:  >  >>