للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

من دليل على التخصيص، كما قال لأبي بردة بن نيار في الأضحية: «تجزيك، ولا تجزي عن أحد بعدك»؛ لأنه كان قد ذبح قبل أن يسن وقت الأضحية، وكما خص سالماً مولى أبي حذيفة بأن يرتضع كبيراً؛ لأنه قد تبني قبل أن يحرم الله سبحانه أن يُدعى الرجل لغير أبيه.

ثم إن التخصيص يكون لواحد، وهنا أمر جميع من حج معه بالتحلل، وقد أمر من بعدهم بالاقتداء بهم، فلو كانوا مخصوصين بذلك لوجب بيانه، وإظهار ذلك وإشاعته، وإلا فلو ساغ دعوى مثل هذا لساغ أن يُدعى اختصاصهم بكثير من الأحكام، وحينئذ ينقطع اتباع غيرهم له وإلحاقهم به، وفي هذا تعطيل للشريعة، وما ذكروه من مستند التخصيص سنتكلم عليه إن شاء الله تعالى.

الثاني: أن النبي قد بين بياناً شافياً أن هذه العمرة المتمتع بها التي فسخ الحج إليها حكم مؤبد إلى يوم القيامة؛ لما أطلعه الله تعالى عليه أن سيكون قوم يدعون أن هذا كان مخصوصاً بهم.

ففي صحيح مسلم من حديث جابر: حتى إذا كان آخر طواف على المروة، قال: «لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة». فقام سراقة بن جعشم، فقال: يا رسول الله! ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبك رسول الله أصابعه واحدة في الأخرى، وقال: «دخلت العمرة في الحج مرتين، «لا؛ بل لأبد أبد».

وفي رواية للبخاري: أن سراقة بن مالك بن جعشم لقي النبي بالعقبة وهو يرميها، فقال: ألكم هذه خاصة يا رسول الله؟ قال: «لا، بل للأبد».

وفي حديث ابن عباس: فأمرهم فجعلوها عمرة، ثم قال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما فعلوا، لكن دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة». ثم أنشب أصابعه بعضها في بعض.

فبين النبي أن ذلك الذي فعلوه ليس لهم خاصة، وإنما هو للأبد. ولا يجوز أن يقال: إنما أشار إلى العمرة قبل الحج، وهو التمتع، فبين أن التمتع جائز إلى يوم القيامة، ولم يقصد الفسخ؛ لما روى ابن بطة في مسألة أفردها في الفسخ عن جابر بن عبد الله ا؛ أن سراقة بن مالك بن جعشم سأل النبي ، فقال: يا رسول الله! أرأيت ما أمرتنا به من المتعة وإحلالنا من حجنا، لنا خاصة أو هو شيء للأبد؟ فقال: بل هو للأبد». وفي لفظ آخر: قال: يا رسول الله! فسخ الحج لنا خاصة أم للأبد؟ قال: «بل للأبد».

وهذا نص في أن المراد فسخ الحج إلى عمرة التمتع، وأن حكم ذلك باق إلى الأبد.

وروي أيضاً عن طاووس، قال: علي هو الذي سأل النبي : أنفسخ لمدتنا هذه، أم للأبد؟ قال: «للأبد». وعن طاووس، قال له رجل: من سنتنا هذه؟ قال: «لا، بل لأبد».

<<  <  ج: ص:  >  >>