للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

غيرها لكان النبي قد اختار لأصحابه ما غيره أفضل منه، وحضهم على ذلك، والتزم لأجله فسخ الحج، وبين أنه إنما منعه من التحلل معهم سوق هديه، ولا يجوز أن يُعتقد أن النبي يختار لهم ما غيره أفضل منه.

الثالث: أن في حديث عائشة المتفق عليه، عن النبي ؛ أنه قال: «من أحب أن يهل بعمرة فليهل، ومن أحب أن يهل بحج فليهل، فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة».

وهذا نص في أن الإهلال بالعمرة لغير المهدي أفضل، … الرابع: أنه قال في آخر الأمر بمكة: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة»، وفي لفظ: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لأحللت». فبين أنه لو كان ذلك الوقت مستقبلاً للإحرام الذي استدبره لأحرم بعمرة إذا لم يكن معه هدي، وهو لا يتأسف إلا على فوات الأفضل. فعلم أن من لم يسق الهدي فإن الأفضل له العمرة.

وأما قولهم: إنما تأسف على الموافقة. قلنا: في الحديث ما يرد هذا، فإنه قال؛ فرأى أن الفضل في الإحلال، هكذا في حديث جابر، ثم ذلك في سوق الهدي، أي: لو استقبلت من أمري ما سقت الهدي موافقة لكم، وإن كان سوق الهدي أفضل، لكن إذا لم يسق الهدي فقد بين أنه يحل من إحرامه ويجعلها عمرة، مع أنه لا ضرورة إلى هذا، فلو كان هذا مفضولاً مع ترك سوق الهدي لكان قد اختار لنفسه ولأصحابه ما غيره أفضل منه، وذلك غير جائز.

والدليل على أن فسخ الحج إلى العمرة جائز، وأنه هو الأفضل من المقام على الحج لمن يريد أن يحج ويعتمر في سفرة واحدة: هذه الأحاديث الصحاح الصراح التي ذكرناها، مع ما احتج به ابن عباس من ظاهر القرآن.

قال أحمد في رواية عبد الله: كان ابن عباس يختار المتعة من أمر رسول الله أصحابه بالإحلال، وقال: ثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، قال: أخبرني عطاء، قال: قلت له: من أين كان ابن عباس أخذ أنه من طاف بالبيت فقد حل؟ قال: من قول الله : ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٢)﴾، ومن أمر النبي أصحابه أن يحلوا في حجة الوداع.

فكأن ابن عباس رأى أن الشعائر اسم يجمع مواضع النسك، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَابِرِ اللهِ، وقال: الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾، ويعم الأفعال التي يفعلها الناسك، ويعم الهدايا التي تهدى إلى البيت … .

وأما قوله: إن الفسخ لا يجوز إلا لذلك الوفد خاصة، فغير صحيح لوجوه:

أحدها: أن ما ثبت في حق الواحد من الأحكام ثبت في حق جميع الأمة، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام، وحيث ما خص الواحد بحكم، فلا بد أن يكون اختصاصه بذلك الحكم لعلة اختص بها، لو وجدت في غيره لكان حكمه حكمه، ولا بد

<<  <  ج: ص:  >  >>