للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

النبي نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون؛ فروى أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن؛ أنه سأل عروة بن الزبير، فقال: قد حج النبي ، فأخبرتني عائشة أنه أول شيء بدأ به حين قدم أنه توضأ، ثم طاف بالبيت، ثم لم تكن عمرة، ثم حج أبو بكر، فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم تكن عمرة، ثم عمر مثل ذلك، ثم حج عثمان، فرأيته أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم تكن عمرة، ثم معاوية وعبد الله بن عمر، ثم حججت مع أبي الزبير بن العوام، فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم تكن عمرة، ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك، ثم لم تكن عمرة، ثم آخر من رأيت فعل ذلك ابن عمر، ثم لم ينقضها عمرة، وهذا ابن عمر عندهم فلا يسألونه، ولا أحد ممن مضى ما كانوا يبدؤون بشيء حتى يضعوا أقدامهم من الطواف بالبيت، ثم لا يحلون، وقد رأيت أمي وخالتي حين تقدمان لا تبتدئان بشيء أول من البيت تطوفان به، ثم لا تحلان، وقد أخبرتني أمي؛ أنها أهلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة، فلما مسحوا الركن حلوا. رواه البخاري.

وأيضاً: فإن المتعة تفتقر إلى دم، فإن كان دم جبران فالنسك التام الذي لا يفتقر إلى جبر أفضل مما يجبر، بدليل حجتين أو عمرتين قد جبر إحداهما بدم، وتم الآخر بنفسه. وإن كان دم نسك فمعلوم أنه إنما وجب لما سقط عن المتمتع من أحد السفرين وهو نسك، وإذا دار الأمر بين نسك الفعل ونسك الذبح، كان نسك الفعل أفضل، فإن فيه عبادة بدنية ومالية؛ ولهذا عامة الدماء لا تشرع إلا عند عوز الأعمال.

وأيضاً: فإن المفرد يأتي بالإحرام تاماً كاملاً من حين يهل من الميقات، ثم يأتي بالعمرة كاملة، فيفعل كل ما يفعله المتمتع وزيادة، ويستوعب الزمان بالإحرام.

وأيضاً: فإن المتعة في الأصل رخصة، والعزائم أفضل من الرخص.

قلنا: أما قولهم: فسخ الحج كان مختصاً بهم، والتمتع إنما كان بالفسخ، فعنه أجوبة:

أحدها: أن الفسخ حكم ثابت في حق جميع الأمة كما سنبينه إن شاء الله تعالى، فمتعته كذلك. ولهذا مذهب أحمد وأصحابه أن المستحب لمن أحرم بحج مفرد، أو بعمرة وحج، أو أحرم إحراماً مطلقاً، أو أحرم بمثل ما أحرم به فلان: أن يفسخوا الحج إلى العمرة ويتمتعوا بالعمرة إلى الحج، امتثالاً لأمر رسول الله وطاعة له، وإن كان بعض العلماء لا يجيزه، فليس لأحد مع السنة كلام، ولا يشرع الاحتراز من اختلاف يفضي إلى ترك ما ندبت إليه السنة؛ كما استحببنا التطيب قبل الإحرام وبعد الإحلال الأول اتباعاً للسنة، وفي جوازه من الخلاف ما قد علم، وكما استحببنا التلبية إلى أن يرمي جمرة العقبة، وفي كراهته من الخلاف ما قد علم، ونظائره كثيرة.

الثاني: أن أمرهم بالمتعة تضمن شيئين: أحدهما: جواز الفسخ. والثاني: استحباب التمتع واختياره. فإذا بطل أحدهما لم يبطل الآخر، وهذا لأنه لو لم تكن المتعة أفضل من

<<  <  ج: ص:  >  >>