للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وإن كانوا قد نهوا عن جميع أنواع المتعة نهي تنزيه، أو نهي اختيار للأولى، فيعلم أنهم اعتقدوا أن الإفراد أفضل؛ ولهذا إنما كانت المنازعة في جواز التمتع لا في فضله، ويجعلونها رخصة للبعيد عن مكة.

وأيضاً: فإنهم كانوا في الجاهلية يعتقدون التمتع بالعمرة إلى الحج من أفجر الفجور، فأمرهم النبي بفسخ الحج إلى العمرة؛ ليبين جواز العمرة في أشهر الحج، وقد حصل معرفة ذلك وعلم، فلا حاجة إلى الخروج عن عقد لازم، أو أنه أذن لهم في الفسخ لأنه لم يكن يعلم أولاً جواز العمرة قبل الحج.

والذي يبين أن الإفراد أفضل من متعتي القران والعمرة المبتدأة: أن النبي أفرد الحج، بدليل: ما روى القاسم، عن عائشة ؛ أن النبي أفرد الحج. رواه الجماعة إلا البخاري، وقد تقدم عنها في المتفق عليه: أن رسول الله أهل بالحج وأهل به ناس معه، وأن ناساً أهلوا بعمرة وناساً أهلوا بالحج والعمرة.

وعن ابن عمر ، قال: أهللنا مع رسول الله بالحج مفرداً، وفي لفظ: أن رسول الله أهل بالحج مفرداً. رواهما مسلم.

وعن زيد بن أسلم قال: جاء رجل إلى ابن عمر، فسأله عن حج النبي ، فقال: أفرد الحج، فلما كان العام المقبل أتاه فسأله عنه فقال: أليس قد أعلمتك عام أول أنه أفرد الحج؟ قال: أتانا أنس بن مالك، فأخبرنا أن النبي قرن، فقال ابن عمر: إن أنس بن مالك كان يتولج على النساء وهن منكشفات لا يستترن لصغره، وكنت أنا تحت ناقة رسول الله يسيل علي لعابها …

وتقدم عن ابن عباس؛ أن النبي أهل بالحج، فقدم لأربع مضين من ذي الحجة، فصلى الصبح، وقال لما صلى الصبح: «من شاء أن يجعلها عمرة، فليجعلها عمرة». رواه مسلم. وعن جابر؛ أن النبي أفرد الحج. رواه ابن ماجه. وفي حديثه المتفق عليه: أهل النبي وأصحابه بالحج. وجابر من أحسن الناس سياقاً لحجة رسول الله ، وهو يقول: لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة. وإذا ثبت أنه أهل بالحج، فيجب أن تحمل رواية من روى أنه تمتع على أنه أمر به أصحابه لما أمرهم بالفسخ، وهو لم يفسخ، وما فعله رسول الله فهو أفضل مما فعله غيره، لا سيما فيما لا يتكرر منه؛ فما كان الله ليؤثر نبيه إلا بأفضل السبل والشرائع.

وقوله : «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولجعلتها متعة»، إنما قال ذلك لما رآهم قد كرهوا المتعة، فأحب موافقتهم، وإن كان ما معه أفضل. وقد يؤثر المفضول إذا كان فيه اتفاق القلوب، كما قال: «لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة … » الحديث. فترك ما كان يحبه تسكيناً للقلوب، وقد كان يدع العمل وهو يحب أن يعمل به، خشية أن يعمل به الناس فيُفرض عليهم فعلهم …

ويقرر ذلك أن الخلفاء الراشدين بعده أفردوا الحج، وإذا اختلفت الأحاديث عن

<<  <  ج: ص:  >  >>