تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦]، ومن فسخ الحج إلى العمرة فلم يتمه، وهذا معنى ما ذكره عمر ﵁ حيث قال: «إن نأخذ بكتاب الله، فإن الله يأمر بإتمام الحج والعمرة»، وهذا الخطاب عام، خرجوا هم منه بالسنة، فيبقى باقي الناس على العموم.
وأيضاً: ما روى عبد العزيز الدراوردي، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني، عن أبيه ﵁، قال: قلت: يا رسول الله، فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة؟ قال: «بل لنا خاصة». رواه الخمسة إلا الترمذي، وفي رواية: «أو لمن بعدنا؟». وهذا نص منه ﷺ.
وأيضاً: فلو لم تكن متعة الفسخ خاصة بهم، بل كان حكمها عاماً، لوجب أن يجب ذلك على الناس؛ لأن النبي ﷺ أمرهم بذلك، وغضب إذ لم يطيعوه، ومعلوم أنه لا يجب الفسخ، فعلم أن ذلك كان مختصاً بهم.
وأيضاً: فلما روي عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر ﵁، قال: كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد ﷺ خاصة. رواه مسلم والنسائي وابن ماجه.
وعن سليم بن الأسود؛ أن أبا ذر كان يقول فيمن حج ثم فسخها بعمرة: لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله ﷺ. رواه أبو داود.
وعن يحيى بن سعيد الأنصاري: حدثني المرقع الأسدي - وكان رجلا مرضياً - أن أبا ذر صاحب النبي ﷺ، قال: كانت رخصة لنا ليست لأحد بعدنا. قال يحيى: وحقق ذلك عندنا أن أبا بكر وعمر وعثمان لم ينقضوا حجاً لعمرة، ولم يرخصوا لأحد، وكانوا هم أعلم برسول الله ﷺ وبما فعل في حجه ذلك ممن شهد بعضه. رواه الليث عنه.
وقد قال أحمد في رواية الأثرم المرقع شاعر من أهل الكوفة لم يلق أبا ذر، وقد تقدم قول عمر: «إن الله يحل لرسوله ما شاء، وإن القرآن قد نزل منازله، فأتموا الحج والعمرة لله، كما أمركم الله»، وقول عثمان لعلي لما احتج عليه بفعل المتعة على عهد رسول الله ﷺ فقال: «كنا خائفين».
وعن عثمان أيضاً: أنه سئل عن متعة الحج؟ فقال: كانت لنا وليست لكم. رواه سعيد.
وأيضاً: فإنه قد ثبت عن عمر، وعثمان، ومعاوية، وابن الزبير، وغيرهم من الصحابة النهي عن المتعة وكراهتهم لها، كما تقدم بعضه.
وعن سعيد بن المسيب؛ أن عمر بن الخطاب ﵁ نهى عن متعة الحج ومتعة النساء.
وعن أبي قلابة، قال: قال عمر ﵁: متعتان كانتا على عهد رسول الله ﷺ أنهى عنهما وأعاقب عليهما: متعة النساء، ومتعة الحج. رواهما سعيد.
ومعلوم أن التمتع بالعمرة إلى الحج لا يكره بالاتفاق، فيجب أن يحمل نهيهم على متعة الفسخ والرخصة على المتعة المبتدأة؛ توفيقاً بين أقاويلهم، ولولا علمهم بأن ذلك خاص للركب الذين كانوا مع النبي ﷺ لم يقدموا على تغيير حكم الشريعة، ولم يطاوعهم المسلمون على ذلك، ولا يجوز لمسلم أن يظن بهم ذلك.