وحُكي عن أحمد، أنه كان يجوز فسخ الحج لغيرهم من الناس، وضعف حديث الحارث بن بلال، وقال: ليس الحارث بن بلال بمعروف.
وقد روى فسخ الحج جماعة، منهم: ابن عباس، وجابر، وعائشة، وغيرهم.
وقد قيل: إن الفسخ إنما وقع إلى العمرة، لأنهم كانوا يحرمون العمرة في أشهر الحج، ولا يستبيحونها، فأمرهم النبي ﷺ بالعمرة، وفسخ الحج صرفاً لهم عن سنة الجاهلية».
وقال النووي في شرح مسلم (٨/ ١٦٦): «قوله: حدثني جابر بن عبد الله الأنصاري ﵁، أنه حج مع رسول الله ﷺ عام ساق الهدي معه، وقد أهلوا بالحج مفرداً، فقال رسول الله ﷺ: «أحلوا من إحرامكم، فطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة، وقصروا، وأقيموا حلالاً، حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج، واجعلوا الذي قدمتم بها متعة». اعلم أن هذا الكلام فيه تقديم وتأخير، وتقديره: وقد أهلوا بالحج مفرداً، فقال رسول الله ﷺ: اجعلوا إحرامكم عمرة، وتحللوا بعمل العمرة، وهو معنى فسخ الحج إلى العمرة، وقد اختلف العلماء في هذا الفسخ، هل هو خاص للصحابة تلك السنة خاصة؟ أم باق لهم ولغيرهم إلى يوم القيامة؟ فقال أحمد وطائفة من أهل الظاهر: ليس خاصاً، بل هو باق إلى يوم القيامة، فيجوز لكل من أحرم بحج وليس معه هدي أن يقلب إحرامه عمرة، ويتحلل بأعمالها، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء من السلف والخلف: هو مختص بهم في تلك السنة، لا يجوز بعدها، وإنما أمروا به تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج، ومما يستدل به للجماهير: حديث أبي ذر ﵁ الذي ذكره مسلم بعد هذا بقليل: كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد ﷺ خاصة، يعني: فسخ الحج إلى العمرة. وفي كتاب النسائي: عن الحارث بن بلال، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله! فسخ الحج لنا خاصة؟ أم للناس عامة؟ فقال:«بل لنا خاصة»، وأما الذي في حديث سراقة ألعامنا هذا، أم لأبد؟ فقال:«لأبد أبد»، فمعناه: جواز الاعتمار في أشهر الحج، كما سبق تفسيره. فالحاصل من مجموع طرق الأحاديث: أن العمرة في أشهر الحج جائزة إلى يوم القيامة، وكذلك القرآن، وأن فسخ الحج إلى العمرة مختص بتلك السنة، والله أعلم» [وانظر: المجموع شرح المهذب (٧/ ١٦٦). العدة شرح العمدة للعطار (٢/ ١٠١٨)].
قال ابن تيمية في شرح العمدة (٤/ ٣٢٥ - ط عطاءات العلم) في سياق بيان أدلة الخصوم في المنع من الفسخ: «فإن قيل: أما ما ذكرتم من أمر النبي ﷺ أصحابه بالإحلال والمتعة فهذا حق، لكن هذا هو فسخ الحج إلى العمرة، وهذا الفسخ كان خاصاً لأصحاب النبي ﷺ، وإذا كان الفسخ خاصاً لهم، والمتعة إنما حصلت بالفسخ، فتكون تلك المتعة المستحبة في حقهم خاصة لهم، فلا يتعدى حكمها إلى غيرهم».
والدليل على أن الفسخ خاص لهم أن الله أمر في كتابه بإتمام الحج والعمرة، بقوله