للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قلت: أما حديث: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة، فكان ذلك مواساة لهم لكونه لم يحل معهم، ولم يفسخ حجه إلى عمرة، فكان حجة لأحمد، وقد علق النبي عدم الإحلال والفسخ بسوق الهدي، وأنه لو لم يسق الهدي لحل معهم، ويمكن حمله إما على أنه يهل بعمرة ابتداء من الميقات، أو على فسخ حجه إلى عمرة مثل ما فعلوا، وهو الأقرب، والله أعلم.

وأما قصة سراقة: فإن سؤاله إنما وقع عن دخول هذه العمرة في الحج، هل هو مختص بهذا العام فقط، أم أن هذا الدخول صار للأبد؟ فكان الجواب: بأن دخول العمرة في أشهر الحج إنما هو دخول أبدي لا ينسخ، لكنه على الجواز والإباحة، وليس على اللزوم، ويدخل فيه أيضا: السؤال عن الفسخ، وأن من أحرم بالحج مفردا جاز له الفسخ، وأما وجوب الفسخ فقد دل حديث أبي ذر على اختصاص الصحابة بذلك دون من بعدهم، والله أعلم.

وانظر أيضا: التمهيد (٢٣/ ٣٦٢). الاستذكار (٤/ ٩٥).

وقال أيضا في التمهيد (٢٣/ ٣٦٥): فسخ الحج في العمرة هي المتعة التي كان عمر ينهى عنها في الحج ويعاقب عليها، لا التمتع الذي أذن الله ورسوله فيه.

وقال بعض أصحابنا: في أمر رسول الله أصحابه أن يفسخوا حجهم في عمرة أوضح دليل على أنه لا يجوز إدخال العمرة على الحج؛ لأنه لو جاز ذلك لم يؤمروا بفسخ الحج في العمرة، إذ الغرض كان في ذلك أن يريهم جواز العمرة في أشهر الحج لا غير؛ لما كانوا عليه من أن ذلك لا يحل ولا يجوز، على ما كانوا عليه في جاهليتهم، فأراهم فسخ ذلك وإبطاله بعمل العمرة في أشهر الحج، ولو جاز إدخالها على الحج ما احتاج - والله أعلم - إلى الخروج عما دخل فيه واستئنافه بعد المعنى المذكور، والله الموفق للصواب».

قلت: قد جاء في حديث سبرة بن معبد ما يدل على جواز إدخال العمرة على الحج: ففي حديث عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: حدثني الربيع بن سبرة، عن أبيه، قال: خرجنا مع رسول الله ، حتى إذا كان بعسفان، قال له سراقة بن مالك المدلجي: يا رسول الله! اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم، فقال: «إن الله تعالى قد أدخل عليكم في حجكم هذا عمرة، فإذا قدمتم فمن تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، فقد حل؛ إلا من كان معه هدي». [تقدم برقم (١٨٠١)، وهو حديث حسن].

وقال البغوي في شرح السنة (٧/ ٧٦): «واختلفوا في أمره لهم بالإحلال، منهم من قال: كان إحرامهم مبهما، موقوفا على انتظار القضاء، فأمرهم أن يجعلوه عمرة، ويحرموا بالحج بعد التحلل، ومنهم من قال: كان إحرامهم بالحج، فأمرهم بفسخه إلى العمرة، وكان ذلك خاصا لهم، روي عن بلال بن الحارث، أنه قال: قلت: يا رسول الله! فسخ الحج لنا خاصة، أو لمن بعدنا؟ قال: «لكم خاصة».

<<  <  ج: ص:  >  >>