للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

واحتج أحمد ومن قال بهذا القول: بقول سراقة بن مالك بن جعشم في حديث جابر: يا رسول الله! متعتنا هذه لعامنا أم للأبد؟ قال رسول الله : «بل للأبد»، وهذا يحتمل أن يكون أراد وجوب ذلك مرة في الدهر، والله أعلم».

وقال أيضاً في التمهيد (٢٣/ ٣٥٧): «وأما قولها: فلما دنونا من مكة أمر رسول الله من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة أن يحل، فهذا فسخ الحج في العمرة.

وقد تواترت به الرواية عن النبي من طرق صحاح من حديث عائشة وغيرها، ولم يرو عن النبي شيء يدفعه؛ إلا أن أكثر العلماء يقولون: إن ذلك خصوص لأصحاب النبي خاصة، واعتلوا بأن النبي إنما أمر أصحابه أن يفسخوا الحج في العمرة ليوري الناس أن العمرة في أشهر الحج جائزة، وذلك أن قريشاً كانت تراها في أشهر الحج من أفجر الفجور، وكانت لا تستجيز ذلك ألبتة، وكانت تقول: إذا خرج صفر، وكانوا يجعلون المحرم صفر، وبرأ الدبر، وعفا الأثر، حلت العمرة لمن اعتمر.

فأمر رسول الله أصحابه من لم يكن منهم معه هدي أن يفسخ حجه في عمرة، ليعلم الناس أنه لا بأس بالعمرة في أشهر الحج.

واعتلوا بقول الله عَجَل ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾، وهذا يوجب إتمام الحج على كل من دخل فيه؛ إلا من خُصَّ بالسنة الثابتة، وهم أصحاب محمد على الوجه الذي ذكرنا، واعتلوا بأن عمر بن الخطاب كان يقول: متعتان كانتا على عهد رسول الله ، أنا أنهى عنهما، وأعاقب عليهما؛ متعة النساء، ومتعة الحج. يعني: فسخ الحج في العمرة، ومعلوم أن عمر لم يكن لينهى عن شيء فعله رسول الله أو أباحه أو أمر به، ولا ليعاقب عليه؛ إلا وقد علم أن ذلك إما خصوص وإما منسوخ هذا ما لا شك فيه ذو لب».

ثم ذكر نحواً مما تقدم، وزاد عليه، وكان فيما قال: واحتج أيضاً أحمد ومن ذهب مذهبه بقوله : «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة»، وبقول سراقة بن جعشم: يا رسول الله علمنا تعليم قوم أسلموا اليوم، أعمرتنا هذه لعامنا هذا، أم لأبد؟ فقال: «بل لأبد، بل لأبد».

ليس في هذا حجة؛ لأن قوله: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة»، إنما معناه: لأهللت بعمرة، وجعلت إحرامي بعمرة أتمتع بها، وإنما في هذا حجة لمن فضل التمتع، وأما من أجاز فسخ الحج في العمرة فما له في هذا حجة؛ لاحتمال ما ذكرنا، وهو الأظهر فيه.

وأما قوله لسراقة: «بل للأبد؛ فإنما معناه: أن حجته تلك وعمرته ليس عليه ولا على من حج معه غيرها للأبد، ولا على أمته غير حجة واحدة أو عمرة واحدة، في مذهب من أوجبها في دهره للأبد، لا فريضة في الحج غيرها، هذا معنى قوله لسراقة، والله أعلم».

<<  <  ج: ص:  >  >>