وقال ابن عبد البر في التمهيد (٨/ ٣٥٥)(٦/ ٢١ - ط الفرقان): «والوجه الثالث من التمتع: هو الذي تواعد عليه عمر بن الخطاب الناس، وقال: متعتان كانتا على عهد رسول الله ﷺ أنا أنهى عنهما؛ مُتعة النساء، ومُتعة الحج. وقد تنازع العلماء بعده في جواز هذا الوجه هلم جرا، وذلك أن يهل الرجل بالحج حتى إذا دخل مكة فسخ حجه في عمرة ثم حل وأقام حلالاً حتى يهل بالحج يوم التروية، فهذا هو الوجه الذي تواترت الآثار عن رسول الله ﷺ فيه أنه أمر أصحابه في حجته من لم يكن معه هدي ولم يسقه وكان قد أحرم بالحج أن يجعلها عمرة.
وقد أجمع العلماء على تصحيح الآثار بذلك عنه ﷺ، ولم يدفعوا شيئاً منها؛ إلا أنهم اختلفوا في القول بها والعمل لعلل نذكرها إن شاء الله.
فجمهور أهل العلم على ترك العمل بها؛ لأنها عندهم خصوص خصص بها رسول الله ﷺ أصحابه في حجته تلك، لعلة قالها ابن عباس ﵄، قال: العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، ويجعلون المحرم صفراً، ويقولون: إذا برأ الدبر، وعفا الأثر، وانسلخ صفر، أو قالوا: دخل صفر، حلت العمرة لمن اعتمر … »، ثم أسنده وقال:
«ففي هذا دليل على أن رسول الله ﷺ إنما فسخ الحج في العمرة ليريهم أن العمرة في أشهر الحج لا بأس بها، فكان ذلك له ولمن معه خاصة؛ لأن الله قد أمر بإتمام الحج والعمرة كل من دخل فيهما أمراً مطلقاً، ولا يجب أن يخالف ظاهر كتاب الله إلا إلى ما لا إشكال فيه من كتاب ناسخ أو سنة مبينة، … »، ثم أسند حديث بلال بن الحارث، وحديث عثمان بن عفان المعدول به عن حديث أبي ذر، ثم حديث أبي ذر من وجهين.
ثم قال: «وعلى هذا جماعة فقهاء الحجاز والعراق والشام، كمالك، والثوري، والأوزاعي، وأبي حنيفة، والشافعي، وأصحابهم، وأكثر علماء التابعين، وجمهور فقهاء المسلمين؛ إلا شيء يروى عن ابن عباس وعن الحسن البصري، وبه قال أحمد بن حنبل، قال أحمد بن حنبل: لا أرد تلك الآثار المتواترة الصحاح عن النبي ﷺ في فسخ الحج في العمرة بحديث الحارث بن بلال عن أبيه، ويقول أبي ذر، قال: ولم يجمعوا على ما قال أبو ذر، ولو أجمعوا كان حجة، وقد خالف ابن عباس أبا ذر، ولم يجعله خصوصاً، وذكر عن يحيى القطان، عن الأجلح، عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال: كنت جالساً عند ابن عباس، فأتاه رجل يزعم أنه مهل بالحج، وأنه طاف بالبيت وبالصفا والمروة، فقال له ابن عباس: أنت معتمر، فقال له الرجل: لم أرد عمرة، فقال: أنت معتمر. وروى ابن أبي مليكة، عن عروة بن الزبير؛ أنه قال لابن عباس: أضللت الناس، قال: وما ذاك؟ قال: تفتي الناس إذا طافوا بالبيت فقد حلوا، وقال أبو بكر وعمر: من أحرم بالحج لم يزل محرماً إلى يوم النحر، فقال ابن عباس: أحدثكم عن رسول الله ﷺ، وتحدثوني عن أبي بكر وعمر، فقال عروة: كانا أعلم برسول الله منك. وذكر روح بن عبادة، عن أشعث، عن الحسن: جواز فسخ الحج في العمرة.