وهذا يؤكد المعنى السابق ذكره، حيث كان الصحابة يستنكرون فسخ الحج إلى عمرة، وأن يقع منهم التحلل وإتيان النساء قبل يوم النحر، وذلك لأنهم ما كانوا يعرفون سوى الإفراد، ويستعظمون إيقاع العمرة في أشهر الحج، والله أعلم.
والأحاديث الدالة على استنكار التحلل من الصحابة كثيرة، ولكني اكتفيت منها بالإشارة، راجع المجلد الخامس والعشرين.
• ومن ذلك أيضا: ما جاء من حديث عائشة ومن حديث سبرة بن معبد، في تهيئة الصحابة لفسخ الحج إلى عمرة، وذلك قبل دخول مكة:
فقد روى أفلح بن حميد، عن القاسم، عن عائشة ﵂، قالت: خرجنا مهلين بالحج، في أشهر الحج، وحُرُم الحج، فنزلنا سَرِفَ، فقال النبي ﷺ لأصحابه (وفي رواية: فخرج رسول الله ﷺ إلى أصحابه): «من لم يكن معه هدي، فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل، ومن كان معه هدي فلا». الحديث [أخرجه البخاري (١٥٦٠ و ١٧٨٨)، ومسلم (١٢١١/ ١٢٣)، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (١٧٨٢)].
فهو هنا قد خيرهم وهم بسرف قبل دخول مكة؛ أن من لم يكن ساق الهدي فله أن يفسخ حجه إلى عمرة.
وفي حديث عبد العزيز: حدثني الربيع بن سبرة، عن أبيه، قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ، حتى إذا كان بعسفان، قال له سراقة بن مالك المدلجي: يا رسول الله! اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم، فقال:«إن الله تعالى قد أدخل عليكم في حجكم هذا عمرة، فإذا قدمتم فمن تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، فقد حل؛ إلا من كان معه هدي». [تقدم برقم (١٨٠١)].
قلت: يشترك الحديثان في تهيئة الصحابة للعمل بمتعة الحج قبل دخول مكة، وفسخ الحج إلى عمرة، ففي حديث عائشة يخيرهم بين الإفراد وبين التمتع، وفي حديث سبرة يخبرهم بأن من لم يكن معه هدي فإنه يحل إذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة، ومع ذلك فإنهم لما قدموا مكة، وطافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة، ثم أمرهم بالتحلل، وأن يجعلوها عمرة؛ استنكر ذلك عامة الصحابة، حتى قال لهم النبي ﷺ ما قال مواساة لهم.
وكذلك فقد أمر النبي ﷺ من كان أهل بعمرة وساق الهدي أن يدخل عليها الحج فيصير قارنا؛ فقد روى جماعة الحفاظ، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: خرجنا مع رسول الله ﷺ عام حجة الوداع، فأهللنا بعمرة، ثم قال رسول الله ﷺ:«من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا»، … الحديث [أخرجه البخاري (٣١٦) و (١٥٥٦) و (١٦٣٨) و (٤٣٩٥)، ومسلم (١٢١١/ ١١١) و (١١٣)، وأبو داود (١٧٨١)، وقد تقدم تخريجه في موضعه].
والجامع المشترك بين هذه الأحاديث هو: مشروعية العمرة في أشهر الحج، سواء