للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وأما دعوى أن عُمَرَ النبي السابقة في ذي القعدة كانت كافية في إرساء الحكم الشرعي في جواز العمرة في أشهر الحج، فيجاب عنها:

بأن العمرة الأولى، وهي عمرة الحديبية: لم تقع؛ حيث صُدَّ عن البيت، وأما الثانية، وهي عمرة القضية: فإنها كانت مقاضاة لقريش عن صدهم النبي عن البيت عام الحديبية، وهذه كان لها بعض الانتشار، وأما الثالثة، وهي عمرة الجعرانة: فقد كانت خفية، لم يعلم بها أكثر الصحابة، ولم يبلغ العرب خبرها، وأما الرابعة: فقد كانت مقرونة بحجة الوداع، فما سلم لنا سوى عمرة واحدة علم بها بعض الناس دون بعض، وهي عمرة القضية، فصار متعيناً على النبي أن يتحين الفرصة المناسبة التي يجتمع فيها العرب، لاسيما من أسلم منهم حديثاً في عام الوفود، لكي يغير ما استقر في اعتقادهم من عقائد الجاهلية بشأن العمرة في أشهر الحج، فلم يبق موسم عام يجتمع فيه الناس سوى موسم الحج، فكانت حجة الوداع؛ حيث توفر فيها المكان المناسب، وهو البلد الحرام، الذي يجتمع فيه العرب والزمان المناسب، وهو الشهر الحرام الذي يؤدون فيه نسك الحج، لكي يعلمهم فيه حكم الله في هذه الشعيرة، حيث لم يكن يعرف العرب من نسك الحج سوى الإفراد، فأعلمهم النبي أن الله تفضل عليهم بإباحة العمرة لهم في أشهر الحج، سواء بالتمتع، أو بالقران فزادهم بذلك نسكين، كلاهما يقتضي إباحة العمرة في أشهر الحج، فظهر بذلك سقوط هذه الدعوى، لاسيما وقد كان يقول لهم: «خذوا عني مناسككم»، والله أعلم.

فإن قيل: ابن عباس هو راوي هذا الخبر، ولم يقل بأن ذلك كان علة الفسخ؟

فيقال: العبرة برواية الراوي، وليس برأيه، وقد دلت القرائن على أن الذي رواه كان علة في الفسخ، ولا يستوجب ذلك إدامة الفسخ على مر الأزمان حيث تحقق به المطلوب أول مرة، فعاد الأمر لأصله، وجازت الأنساك الثلاثة، ولم ينسخ الإفراد، مع إباحة الفسخ لمن شاء.

فإن قيل: قد كان من الصحابة من أهل بعمرة من الميقات، فلماذا يحتاج بعد ذلك أن يعلمهم جواز العمرة في أشهر الحج، وقد علموا ذلك، وعملوا به؟

فالجواب نعم؛ قد ثبت ذلك في أحاديث، منها ما رواه سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة ، قالت: خرجنا مع رسول الله ، فقال: «من أراد منكم أن يُهلَّ بحج وعمرة فليفعل، ومن أراد أن يُهلَّ بحج فليهل، ومن أراد أن يُهل بعمرة فليهل»، قالت عائشة : فأهل رسول الله بحج، وأهل به ناس معه، وأهل ناس بالعمرة والحج، وأهل ناس بعمرة، وكنت فيمن أهل بالعمرة. [أخرجه مسلم (١١٤/ ١٢١١)، وقد تقدم تخريجه برقم (١٧٨١)].

ومنها: ما رواه هشام بن عروة: أخبرني أبي، قال: أخبرتني عائشة ، قالت: خرجنا مع رسول الله موافين لهلال ذي الحجة، وفي رواية: فلما كان بذي الحليفة،

<<  <  ج: ص:  >  >>