للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

النبي من المدينة، بعد ما ترجل وادهن ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه، فلم ينه عن شيء من الأردية والأزر تلبس إلا المزعفرة التي تردع على الجلد، فأصبح بذي الحليفة، ركب راحلته، حتى استوى على البيداء، أهل هو وأصحابه، وقلد بدنته، وذلك لخمس بقين من ذي القعدة، فقدم مكة لأربع ليال خلون من ذي الحجة، فطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة، ولم يحلّ من أجل بدنه، لأنه قلدها، ثم نزل بأعلى مكة عند الحجون، وهو مهل بالحج، ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع من عرفة، وأمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم يقصروا من رؤوسهم، ثم يحلوا، وذلك لمن لم يكن معه بدنة قلّدها، ومن كانت معه امرأته فهي له حلال، والطيب، والثياب. [أخرجه البخاري (١٥٤٥ و ١٦٢٥ و ١٧٣١)، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (١٧٥٣)].

ومما نُقل عن ابن عباس من فتياه؛ لكنه عضدها بأنها سنة رسول الله : ما رواه شعبة، عن قتادة، قال: سمعت أبا حسان الأعرج، قال: قال رجل من بني الهجيم لابن عباس: ما هذه الفتيا التي قد تشعفت أو تشعبت بالناس، أن من طاف بالبيت فقد حل؟ فقال: سنة نبيكم ، وإن رغمتم. [أخرجه مسلم (١٢٤٤/ ٢٠٦)، وتقدم تخريجه تحت الحديث برقم (١٧٩٢)].

ومما قلت قبل ذلك في بيان الدافع لعمر على أمر الناس بالإفراد ويبدو لي أن مراد عمر من ذلك أن الله تعالى أباح إدخال العمرة في أشهر الحج، سواء بفعلها مجردة في أشهر الحج، كما اعتمر النبي في عمرة القضية والجعرانة، أو بفعلها مقرونة بالحج في القران؛ كما فعل النبي وأصحابه ومنهم عمر، أو بفعلها مفردة ثم يهل بعدها بالحج متمتعاً؛ كما أمر النبي من لم يسق الهدي من أصحابه: كل ذلك مما أباحه الله تعالى لنبيه، ثم لأمته من بعده، لكن البعض حول هذه الإباحة إلى فرض وإلزام، وأن كل من دخل مكة حاجاً لزمه الفسخ إلى عمرة، كما قال ابن عباس وأبو موسى، فلما رأى عمر ذلك أراد أن يوقف هذا الرأي عن الانتشار في الناس بالمنع من العمرة في أشهر الحج؛ لا علي سبيل المعارضة، ولكن على سبيل القصد والاعتدال في أحكام الشريعة، وأن تعود الأمور لنصابها الصحيح، في فهم مراد النبي ، لذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في عمدة الأحكام (٤/ ٣٦٠ - ط عطاءات العلم): «ولم ير لتحصيل هذا الفضل والكمال لرغبته طريقاً إلا أن ينهاهم عن الاعتمار مع الحج وإن كان جائزاً، فقد ينهى السلطان بعض رعيته عن أشياء من المباحات والمستحبات لتحصيل ما هو أفضل منها من غير أن يصير الحلال حراماً».

وقد زاد عمر ذلك بياناً في حديث أبي موسى، حيث بين أن مأخذه من القرآن قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾، وأن مأخذه من السنة: أن النبي لم يحل حتى نحر الهدي؛ إمعاناً منه في المنع من انتشار هذا القول، لاسيما وقد قال ذلك لأبي موسى، وقد كان ممن يقول بوجوب الفسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>